بداية القرن الحالي شهدت مويتانيا توافد شركات نفطية كبيرة للقيام بعمليات التتقيب والاستكشاف والتي وصلت في بعض الأحيان إلى قرار الاستثمار (حقل شنقيط) حيث أشارت التقارير لإمكانية وصول طاقته الإنتاجية إلى 70 ألف برميل يوميا قبل أن يدخل الإنتاج في مسار هابط حتى وصل إلى 4000 برميل يوميا وهو ما أدى إلى تخارج الشركات العاملة في الحقل بعدما باتت الكميات غير تجارية و الأسعار متدنية بسبب حرب الأسعار و الحصص القائمة بين المنتجين ليتم إغلاق الحقل نهاية 2018.
تصورا معنا كم كانت ستكون العوائد الاقتصادية لوجاءت تقارير شركة :وودسايد" دقيقة آنذاك ؟ خاصة أن فترة بداية استغلال "حقل شنقيط" كانت الصين حينها في بداية طفرتها الاقتصادية التي رفعت خلالها أسعار المواد الأولية : الحديد ، النحاس ، النفط..... حتى باتت تلك الفترة تسمى بسنوات الطفرة حيث وصلت أسعار النفط إلى مستويات 120 و 130 دولار للبرميل ، لكننا في موريتانيا ومن خلال حقل "شنقيط" لم نكن محظوظين لنواكب ذالك الانتعاش والرواج الحاصل في سوق النفط بسبب تقارير شركة "وودسياد" الغير دقيقة التي أدت بها إلى الخروج من موريتانيا في الوقت الذي كانت الأسعار تتجه لارتفعات تاريخية وغير مسبوقة (سوق النفط في مسار صاعد) !!!!!
بعد تجربة النفط التي جاءت دون التوقعات وفي إطار التحول العالمي نحو الغاز كالوقد الأحفوري الأقل انبعاثاث و الأرخص تكلفة بدأت سنة 2015 عمليات تنقيب واستكشاف أخرى للشركة الأمركية "كوسموس أنرجي" لتتوصل إلى نتائج معتبرة حيث تم الإعلان عن اكتشافات ضخمة من الغاز الطبيعي وفي حقول متعددة منها ماهو مشترك مع الجارة السنغال (آحميم الكبير) باحتياطي يقدر ب 25 ترليون قدم مكعب و منها ماهو في الحدودو الموريتانية كحقل "بئر الله" الذي تقدر احتيطياته هو الآخر ب 50 ترليون قدم مكعب وهوما جعله أكبر اكتشاف للغاز في العالم بالمياه العميقة خلال العام 2019.
في ظل التقارير المبشرة عن حقول الغاز الموريتاني ووصول حقل "آحميم الكبير" لقرار الاستثمار بدأ الحديث أيضا عن طفرة في مجال الغاز ستكون بمثابة رافعة حقيقية للاقتصاد الموريتاني وستجعله قادارا على : مواجهة تحدياته التنموية ، سداد مديونيته المرتفعة و التحول إلى قطب اقتصادي بالمنطقة من خلال العوائد المالية المباشرة المتوقعة من عمليات التسويق التي قدرها وزير النفط السابق ب 1 مليار دولار سنويا في المتوسط دون الضرائب ، الرسوم ... وهو مايعادل تقريبا اليوم : %20 من الناتج المحلي الإجمالي و %100 من احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة ، بالإضافة إلى توفير الطاقة الازمة لتشجيع الإنتاج في القطاعات المرتبطة بالاكتفاء الذاتي كالزراعة ، الثروة الحيوانية و التحول من الصناعات الاستخراجية في مجالات المعادن والصيد إلى صناعات تحولية تخلق القيمة المضافة وفي جوانب متعددة وذالك في أفق 2022 قبل أن تظهر جائحة كورونا لتعصف بالاقتصاد العالمي حيث تراجعت معدلات النمو الاقتصادي في كبريات الاقتصاديات العالمية حتى باتت سالبة وارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات قد تجعل الأزمة الحالية أشد تأثيرا من الكساد العظيم سنة 1929 وهو ما دفع بالشركة إلى تأجيل استلام محطة لتسييل الغاز كانت مخصصة لحقل "آحميم الكبير"بسبب ما أسمته قوة قاهرة مرتبطة بالجائحة وهو مايثير أيضا الكثير من إشارات الاستفهام حول مستقبل حقول الغاز الموريتاني ، لأن الغاز طاقة و الطاقة تحتاج إلى أن يكون الاقتصاد العالمي في ذروة رواجه وليس العكس حيث تشير المعطيات اليوم عن حتمية دخول الاقتصاد العالمي دورة كساد اختلف الاقتصاديون في تحديد الوقت المطلوب للخروج منها من خلال رسوم بيانية اتخذت أشكال الأحرف الاتينية التالية :
- حرف V : الاقتصاد سيتعافى مباشرة
- حرف U :الاقتصاد سيتطلب بعض الوقت للتعافي
- حرف L : الاقتصاد سيتطلب وقت طويل للتعافي
ونخلص إلى القول بإن استغلال النفط في موريتانيا ترافق مع فقاعة (ارتفاع) غير مسبوقة في الأسعار بينما يتجه استغلال الغاز ليتزامن مع احتمال دخول الاقتصاد العالمي دورة كساد قد تكون هي الأشد عبر تاريخ الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى المخاوف التي كانت موجودة وقائمة أصلا حول تخمة كبيرة في إنتاج الغاز قد تضغط على الحقول الفتية على غرار "آحميم الكبير" على الرغم من تقدم مشروع الحقل سواء تعلق الأمر باتفاق تقاسم الإنتاج ، قرار الاستثمار أو حتى اتفاق التسويق.