فمنذ نشأة الدولة الموريتانية في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين وعلى أنقاض المنظومة القبلية مما جعل ذلك يبقى لدينا نوعا من الصراع الدفين بين القبيلة من جهة و الدولة الحديثة من جهة ثانية.
وقد كان يخبو ذلك الصراع أو يكاد يختفي في عهد المرحوم ذ/ المختار ولد داداه ، و أحيانا تتقد جذوته و تلتهب جمراته خصوصا بعد الإنقلاب العسكري سنة 1978 من القرن العشرين و انظمته المتعاقبة العسكرية أو شبه العسكرية الى يومنا هذا .
وكان كل ما اشتد لهيب ذلك الصراع الحاد بين الدولة و القبيلة إلا ويتدخل الحكماء لإخماده ليلا يتعدى حدود السيطرة!
و الآن وقد بلغ ذلك الصراع القبلي مع الدولة ذروته وطفح كيله بسبب ما يعرف بقضية ولد عبد العزيز المتمثلة في تسير مأموريتي ( العشرية) الأخيرة.
و اليوم وقد إتضح تفاقم ذلك الصراع مما يتطلب خطوات متسارعة نحو حله بواسطة محكمة عادلة .
و هنا يجب أن نقف ولو للحظة حتى نحدد منهم أطراف ذلك النزاع حالياً على الأقل:
١- طرف تمثله الدولة و ما ستستعين به من محامين كل منهم يمثل قبيلة أو يتبعها على الأقل في إطار الدولة أو السلطة الممثلة لها.
٢- الطرف الثاني وهو الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز مدعوما من طرف بعض أفراد قبيلة معينة وكذا غيرهم من أتباعه من نظامه السابق .
و أخيراً يجب أن نفتح ملف ذلك الصراع و نطلع على محتوياته:
فإذا بالمدعي وهو الحكومة ففي ملفها ضد ولد عبد العزيز ما يلي : إنقلابان عسكريان سابقان معترف بهما من طرف ولد عبد العزيز نفسه و عقوبة كل منهما على حدة معروفة سلفاً، وإذا إحتج بعض مناصريه بأنه يوجد على هرم رأس الدولة من قد شارك في بعض تلك الإنقلابات العسكرية لكن ذلك لا يخفف على الإطلاق من عقوبة الرئيس السابق وإن كان لا يبرئ غيره ممن هم في السلطة الحالية ( فالنظام السوداني الحالى مثلا يقوده ضابط إنقلابي عسكري ورغم ذلك فهو الآن يحاكم إنقلابيا عسكرياً سابقا قد قام بإنقلاب عسكري في سنة 1989 مما يوحى بأن جريمة الإنقلاب لاتتقادم ولو طال الزمن !
ثانيا يوجد في الملف أيضا اتهام لولد عبد العزيز بأن حكمه كان حكما فرديا إمتازت فترته بغياب العدالة و الشفافية في التعينات و التوظيف و المسابقات و الصفقات العامة و غير ذلك من شؤن تسير مرافق الدولة بما يوفر وجود قرينة الفساد بأنها كانت ملازمة لذلك التسيير وتعشعش في أركان تلك الحقبة الزمنية !
٣-استغلاله للهيئات الخيرية الخاصة و العامة في غسل الأموال و التهرب الضريبي.
رابعا عدم تسديده لفواتير الماء و الكهرباء المستهلكة في قصوره و مصانعه وكذا دور و منشآت أقاربه.
خامساً المبدؤ القائل: من أنى لك هذا والقاضي بإعادة مازاد من ممتلكات على ما صرح به سلفاً مع بداية حكمه مضاف إليه جزء يقدره الخبراء من راتبه.
أما ملف الخصم السيد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز فإن أهم ما يحتمل وجوده فيه من معطيات ووثائق لليدافع بها عن نفسه إلاّ مايلي:
أولا هو أن الأصل البراءة و كون ركون محمد ولد عبد العزيز الى السكوت وعدم الإجابة على أسئلة المحققين بحجة عدم الإختصاص ، و كذا كون المتهم برئ مالم تثبت إدانته، و أيضاً مبدأ أن كل غموض أو تفسير يكون لصالح المتهم.
ثانيا أن الرجل وراءه بعض أفراد من قبيلة يؤازرونه في السراء و الضراء متخذين أياه مبدأ( أنصر أخاك ظالما أو مظلوما) .
اذا فهذا كل محتوى الملف و علينا الآن أن نلجأ الى الحكماء من أجل البت في هذه القضية بالعدل و الإنصاف و إعطاء كل ذي حق حقه ، و كذا التميز بين الجنائ منها في الملف والمدني ، و أن يراعي الحكماء الذين يختارون لحل عقدة هذا الملف أن يكونوا حكماء فعلا وأن يطبقوا في هذه الدعوى القانون و الشريعة الإسلامية و مساطير كل منهما على هذه النازلة لليكون حكمهم في نهاية المطاف نبراساً لعدالتنا ينير لها الطريق في حل القضايا المشابهة مستقبلاً، وألا يعودوا في مراجعهم العدلية إلا لشريعتنا الغراء و دستورنا و قوانيننا و أعرافنا الخاصة ، بغض النظر عّما لدى الغير من دساتير و قوانين أو سوابق قضائية .
و أظن أن القضية مادامت هكذا و جوهر النزاع كماذكرنا سابقاً فلا يهم نوع المحاكم التي لها كلمة الفصل في حل النزاع ، لأن الأمر يعود برمته إلى ما قال الشاعر المتنبئ ( فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في طعم عظيم)!
ومقتضى ذلك هو أنّ الرئيس السابق اذا ما كان مدانا فلا يخفف من حرج الإدانة و قساوتها نوعية المحكمة التي أدانته ، وإن كان بريئا فلا ينقص من درجة هيبته مستوى المحكمة التي برأته .
و أخيرا أبدي الملاحظة التالية لزملائي المحاميين وهي تتعلق بمراعاة مصداقية ملفات الدعوى وما مدى تأثير ذلك مستقبلا على مهنيتهم كمحامين ، و بالتالي عليكم يا زملائي الأعزاء بالتمهل و النظر بدقة في ما مدى مصداقية ما تدافعون عنه من قضايا تتعلق بأطراف هذه الدعوى ، سواء كُنتُم ممن تساندون الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، أو ألائك الذين تعهدوا للدولة في مجال الحق المدني في هذه الدعوى السابقة من نوعها.