صحيح، أن مكافحة الفساد، عملية تقع على عاتق الجهات الرقابية التي نصت قوانينها على اتخاذ اجراءات رقابية معينة، لغرض حماية المال العام من الفساد والفاسدين، من خلال اتخاذ اجراءات قانونية معينة، كالتحقيق والتفتيش والتدقيق وغيرها من الأمور التي تقوم بها تلك الجهات بغية وضع حد لعمليات الفساد المنتشره في دوائر الحكومه. ولكن، هناك دور للمواطن، لا يقل أهمية عن دور هيئات مكافحة الفساد والادعاء العام والرقابة المالية والمفتش العام.
يوماً بعد يوم، يتضح لنا بأن الفساد قد أصبح الجميع يُقر بوجوده في كل مفاصل الدوله وجميع مؤسساتها وبدرجات متفاوتة. وأصبح الجميع يدرك بأن هذه الآفة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية المعقدة قد غدت تتغلغل وبشكل متزايد في كافة مفاصل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بما في ذلك المؤسسات الغير هادفة للربح ( مؤسسات المجتمع المدني) مؤسسة اسنيم هيئة الرحمه.
وعلى الجانب الآخر، هناك العديد من التشريعات والقوانين والقرارات التي من المفترض أن تحد من سوء استخدام السلطة. وهنا تكمن المشكلة من الناحية التطبيقية إذ أن هذه القوانين والقرارات ، والتي من المفترض أن تنظم علاقة المواطن بمؤسسات الدولة المختلفة، توفر البيئة الداعمة وخط الدفاع أمام تطبيقات الفساد لأن في تعارضها وتضاربها منفذا للهروب من المسئولية والمساءلة القانونية. كما أن هذا التعارض، في بعض الأحيان، يمكن المسؤول من تمرير بعض القرارات التي تناصر وتدعم طلبات الفئات المهمشة وهو ما قد يعرف من وجهة نظر البعض "بالفساد الإيجابي". وهو الأمر الذي أدى إلى نشأة ثقافة "تقبل الفساد" لدى المواطن للحصول على حقوقه سواء أكانت مشروعة أم غير مشروعة
ويمكن أيضا للمواطن ممارسة دوره في مكافحة الفساد، والقضاء على الفاسدين، وهذا الدور يتمثل بعدم دفع رشوه او أية مبالغ إضافية للموظفين، حتى وان كانت حاجته عندهم. فمن خلال استقراء الواقع الاداري، نجد ان بعض المواطنين، يشجعون الموظفين على أخذ الرشوة، إما لهدف تسريع انجاز المعاملات الخاصة بهم، أو لأجل تجاوز القانون وإنجاز ما يخالف القانون.
وبعض الموظفين يطلبون مبالغ مالية طائلة، لغرض إنجاز معاملات معينة، والمواطن ينصاع لتلك الطلبات، ولا يتجرأ على اتخاذ ما يلزم لوقف ذلك الموظف عند حده. فالمفروض بالمواطن الذي يصادفه موظف يطلب منه مبالغ مالية الأداء عمله، أو إنجاز معاملة له، أن يبلغ السلطات المختصة كي تتخذ الاجراءات القانونية المناسبة بحق ذلك الموظف، لكن المواطن غالبا ما يسعى الى تسهيل معاملته فقط، ولا يسعى الى القضاء على ظاهرة خطيرة أو آفة تهدد الوظيفة والادارة والمجتمع ككل. فهو يتخوف من ان اخبار السلطات عن ذلك الموظف او التعاون معها في سبيل الايقاع به، او إلقاء القبض عليه متلبسا، كون انه لا يضمن وجود حماية له ولعمله، كما يتخوف من القضاء القبلي الذي يزاحم القضاء الاعتيادي ولو بشكل غير مباشر.
الأن القانون لا يوفر الحماية الكافية لمن يخبر عن وجود جريمة تجاوز على المال العام. كما ان اخبار الجهات التحقيقية بوجود جريمة فساد معينة، اليست اولويه مما يجعل المواطن هدفا سهلا للموظف المستهدف.. وعليه فإن على المشرع الموريتاني، ان يشرع نصوصا قانونية تشجع المواطن على كشف عمليات الابتزاز التي قد يتعرض لها في دوائر الحكومه والمؤسسات، وان يشرع ما يؤدي على منحه تطمينات على حياته وممارسة عمله من خلال توفير الحماية القانونية ، وبالمقابل، على المشرع ان يضع عقوبات قاسية بحق المخبرين الذين يستغلون صلاحية الاخبار عن الجرائم لتحقيق غايات شخصية ولتشويه سمعة البعض ممن لديهم خلافات معهم. ان مكافحة الفساد، في ظل هذه الظروف عملية معقدة ولا تخلو من الاشكاليات والاخفاقات، ولضمان تحقيق اهدافها، يجب ايجاد نصوص قانونية متكاملة، تغطى كافة جوانب تلك العملية. كما يجب على المشرع تشجيع ثقافة محاربة الفساد لدى المواطن، والوقوف بوجه الفاسدين، ابتداء من الموظف الصغير الشرطي والدركي والحارس والمعلم ...وصولا الي الوزير والسفير والمدير وكل من يستغل منصبه الوظيفي لتحقيق مكاسب مادية على حساب الوظيفة والمواطن في وقت واحد
ان التاكيد على دور المواطن في الابلاغ عن الفساد يساهم مساهمة كبيرة في اشاعة ثقافة احترام القانون وعدم التردد عن الابلاغ عن الجرائم التي تتعلق بالمال العام لان الفساد الاداري لايحارب من خلال المكاتب الفخمة والمؤتمرات والخطابات وشاشات تلفزيونات واقلام الكتاب بقدر مايحارب من خلال رفض المواطن له ومعاونتة للسلطات المختصة في استئصالة باعتبارة مرضا خطيرا يؤدي الى ايقاف مسيرة التقدم ويؤدي الى إثراء طرف علي حساب اموال الناس فلابد من تعدبل القوانين لكي تكون متلائمة مع توفير الحماية للمواطن للابلاغ عن جرائم الفساد ومعاقبة المفسدين وتحقيق مبدا سيادة القانون