بعد مشروع رصيف الحاويات( https://rimnow.net/w/?q=node/12387) ، سنحاول قراءة وفهم ما جاء في تقارير المكاتب الدولية حول شركة سنيم. التقرير يحاول تسليط الضوء على صفقات و مشاريع سنيم و حول سياستها التجارية . للأمانة ما سيلي يحتوي أيضا على آراء و تحاليل شخصية من طرفي، أرجوا أن تكون موفقة.
1) تسيير الشركة
لن أتحدث عن تاريخ شركة سنيم، أظن أن الغالبية تعرفه، أريد أن أشرح خاصية سوق خام الحديد، هذا المجال هو مجال دوري (secteur cyclique) يعني أن هنالك فترة يرتفع فيها سعر خام الحديد و من ثم ينخفض فترة أخرى وهذا الأمر ليس لشركة سنيم أي دور فيه أو أي إمكانية للتأثير عليه. يجب معرفة أن إنتاج سنيم يمثل أقل من %1 من الإنتاج العالمي.
التسيير الجيد للمؤسسات في هذا المجال ينطبق عليه بشكل كبير تفسير يوسف عليه السلام لرؤيا عزيز مصر في قوله تعالى "قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ".
كان يجب على شركة سنيم أن تذر كثيرا من ما حصلت عليه إبان ارتفاع الأسعار ليساعدها في تخطي فترة الشدة التي ستأتي بعد ذلك. عندما و صلت أسعار خام الحديد أكثر من 180 دولار في 2011، أصبحت سنيم تنفق يمينا و يسارا انفاق من لا يخشى الفقر. ازدادت نفقات سنيم لتصبح 226 مليار عام 2016 بعد ما كانت في حدود 106 مليار عام 2009، أي زيادة %113 !.
هذه الزيادة غير مبررة على الإطلاق، لأن زيادة رقم الأعمال هي نتيجة زيادة الأسعار(croissance en prix du CA) و ليست بسبب زيادة الكمية المنتجة(Croissance en volume du CA) ، فقط زيادة الكمية المنتجة تسبب زيادة في النفقات.
كيف يمكن إذا أن نفسر هذه الزيادة ؟ يعتبر التقرير أن هذه الزيادة الغير منطقية للنفقات لا يمكن أن تفسر إلا بسوء تسيير المؤسسة، أردت أن أذهب أبعد لمحاولة فهم بالضبط كيف ازدادت النفقات.
النفقات الأساسية لسنيم حسب القوائم المالية للشركة التي يمكن الاطلاع عليها على موقع الأخيرة هي :
• استهلاك البضائع (المازوت، زيوت السيارات المنجمية، إطارات السيارات المنجمية ..)
• تكاليف الموظفين (الأجور، المكافآت و التحفيزات...)
• الاهلاك واستهلاك الدين (dotations aux amortissements)
• نفقات أخرى
استهلاك البضائع مرتبط ارتباطا وثيقا بالإنتاج، بما أن سنيم واصلت انتاج نفس كمية خام الحديد خلال تلك السنوات ، لا مبرر إطلاقا للزيادة الكبيرة التي عرفها هذا القسم من النفقات، يمكن تفهم زيادة طفيفة بسبب سعر صرف الأوقية مقابل العملات الصعبة لأن بعض هذه البضائع تستورد من الخارج لكن هذه الزيادة الكبيرة لا يمكن تفسيرها إلا بهدر هذه الموارد و التلاعب فيها.
بالنسبة لتكاليف الموظفين، ما سأقول قد لا يعجب البعض ، من الملفت للنظر أن تلك التكاليف تحولت من 18 مليار في 2009 إلى 39 مليار سنة 2016 هنالك جزء من هذه التكاليف متعلق بالمكافآت و التحفيزات وهذه مقبولة بل يجب إعطائها عندما تحقق الشركة رقم أعمال كبير لكن هناك زيادات للأجور غير مبررة. حسب ملحق القوائم المالية للشركة لسنة 2012 هناك زيادة في الأجور بنسبة %15، تلتها زيادة %10 في العام 2013، أي ما مجموعه زيادة %25 في سنتين. شخصيا أعتبر هذا سوء تسيير، عندما تتهاوى أسعار الحديد لا يمكن نقص الأجور و بالتالي يصبح هذا القسم من النفقات ثقيلا على الشركة. لا يجب شراء سكوت الموظفين بأي ثمن !
النفقات الأخرى: يلاحظ أن هذه النفقات تزداد كل مرة مع زيادة رقم الأعمال و توجد فيها أمور مبهمة كتكاليف البحوث و الدراسات، نفقات المهام، فواتير الهواتف...إلخ.
من المعروف أنه عندما تهبط أسعار الحديد و في نفس الوقت رقم أعمال الشركة لن يمكن تخفيض التكاليف بنفس السرعة و هذا ما حدث بالضبط حيث هوت أسعار خام الحديد في 2014 و خاصة 2015 لتجد الشركة نفسها عاجزة عن مواجهة التزاماتها المالية. لأول مرة أصبحت سنيم عاجزة عن دفع مستحقات بعض الموردين، حتى أن شركة BP أوقفت التعامل مع سنيم بسبب خطر الإفلاس الذي يخيم على الشركة و لولا فضل ربي و فيضانات البرازيل و استراليا اللذان تسببا في ارتفاع اسعار خام الحديد، لأفلست شركة سنيم.
زيادة النفقات تسببت بزيادة سعر تكلفة طن الحديد. في هذا الصدد، أريد أن أشير إلى نقطة مهمة، ألاحظ دائما أن سعر التكلفة دائما ما يعلن بالدولار و لا أجد سببا لهذا سوى محاولة التستر على زيادته من خلال تعويم هذه الزيادة في سعر صرف الأوقية مقابل الدولار. عندما يقال أن سعر تكلفة طن الحديد في سنيم هو 42 أو 47 دولار ، 42 دولار 2009 ليست هي 42 دولار 2016. سعر التكلفة يجب أن يكون بالعملة المحلية لأن أكثر النفقات تسدد بالأوقية و بالتالي الأصح هو القول أن سعر التكلفة كان 1017 أوقية 2009 ليصبح 1784 أوقية 2019 ! .
المشكلة هنا أنه إذا لم يوجد حل لتخفيض سعر التكلفة، كل ما هوت أسعار الحديد، ستخسر الشركة. لو كانت الشركة حافظت على مستوى نفقات ما قبل 2009 ، أي في حدود 106 مليار أوقية ، لكانت أرباحها في حدود ألفين مليار أوقية !.
2) استراتيجية و استثمارات الشركة
أولا ، لا يمكن و ضع استراتيجية إذا لم يكن هناك استقرار في إدارة الشركة فقد عرفت الأخيرة 7 مديرين عامين ما بين 2008 إلى اليوم. ثانيا من الطبيعي أنه عندما تسجل شركة أرباحا معتبرة، تقوم الأخيرة باستثمارات في مجالها لمحاولة تعزيز مكانتها في السوق. كل مشاريع سنيم لمحاولة زيادة الإنتاج فشلت فشلا ذريعا. مستوى الإنتاج ظل في حدود 12 مليون طن من خام الحديد، مشاريع PPT في 2006 ، PDS في 2007، PDM و مشروع نهوض لإنتاج 25 مليون طن كلها مشاريع فاشلة.
بدل القيام بمشاريع في إطار استراتيجية التكامل (stratégie d’intégration) لمحاولة إدخال قيمة مضاعفة لمنتوج خام الحديد و لم لا لمحاولة صناعة الصلب، فضلت الشركة القيام باستثمارات لا تمت بصلة لمجال الشركة : عمارة وسط المدينة، شركة الضمان، المشاركة في موريتانيا للطيران، فندق 5 نجوم حتى وصلت لمنح قرض لشركة خصوصية (شركة النجاح في إطار مشروع المطار الجديد) بمبلغ 16 مليار أوقية !. يسمي التقرير هذه الاستثمارات " استثمارات ابرستيج" (investissements « dits » de prestige) من جهتي أفضل ما يسمى باللغة الفرنسية (fait du prince). الدولة هي من فرضت على شركة سنيم القيام بهذه الاستثمارات و منح القرض المذكور و هذا ليس طبيعيا، سنيم شركة مستقلة وحتى لو كانت الدولة هي المساهم الأول في الشركة، لا يحق لها أكثر من نسبة من الأرباح لو قسمت و الضرائب المفروضة، سياسات سنيم و استراتيجيتها يجب أن تتبع هدفا واحدا هو المصلحة المباشرة للشركة.
كيف يمكن أن نفهم فشل الشركة في رفع إنتاجها و إدخال قيمة مضاعفة على منتوجها و في نفس الوقت تبدد مواردها على استثمارات لا ناقة لها فيها و لا جمل.
3) صفقات الشركة
يجب معرفة أن شركة سنيم لا تخضع للمرسوم 90.09 الذي يحدد النظم الأساسية للمؤسسات العمومية و الشركات ذات رأس المال العمومي، فالشركة تخضع لاتفاقية خاصة مع الدولة تسمح للشركة بحرية أكثر في التسيير و المعاملات. لكن يبدوا أن الشركة استنتجت في نفس الوقت أنها ليست معنية أيضا بالقانون رقم 2010-044 المنظم للصفقات العمومية. هناك شبه فراغ قانوني فليس هناك ما يقول صراحة أن هذا القانون لا ينطبق على صفقات سنيم و في نفس الوقت تفسر شركة سنيم بعض الترتيبات في الاتفاقية الخاصة التي تنظم علاقتها مع الدولة، على أنها إعفاء من هذا القانون.
المهم أن ، حسب التقرير، منح صفقات سنيم يشوبه كثير من الفساد فليست هناك قوانين واضحة تخضع لها تلك الصفقات، تعتبر الاستشارات المحدودة (consultations restreintes) والتعديلات على الصفقات (avenants sur les marchés) بعد منحها هي السمات الغالبة على صفقات الشركة.
يجب اخضاع الشركة لقانون الصفقات العمومية فمهما كانت أهمية الشركة فإنها تظل شركة وطنية و يجب عليها احترام القوانين المنظمة للصفقات لزيادة الشفافية في منحها.
4) الاستراتيجية التجارية للشركة
لم يكف الشركة تبديد ارباحها و القيام باستثمارات لا تمت بصلة بمجال اختصاصها، بل وصلت حتى إلى ادخال عملاء جدد للشركة. يبدو أن هناك من أراد لعب دور الوسيط و فرض عملاء جدد على الشركة لجني عمولات من مبيعات سنيم.
قبل أن نخوض في التفاصيل، لابد من فهم كيف يتم تحديد اسعار منتوجات سنيم من خام الحديد. الأمر معقد بعض الشيء لكن سأحاول تبسيط ما فهمت من التقرير.
حسب التقرير لدى الشركة ثلاثة أنواع أساسية من خام الحديد هي GMAB، TZFC و XCB و سيركز التقرير على :
منتوج TZFC : تركيز حديد 62% ، %8.8 سيليس، 0.9% آليمين.
منتوج GMAB : تركيز حديد 66% ، %7 سيليس، 0.35% آليمين.
السيليس و الآلمين يبدو أنهما شوائب تحط من قيمة المنتوج.
ابتداءً من عام 2010، أصبحت هناك طريقة جديدة لتحديد سعر خام الحديد في الأسواق العالمية. يحدد سعر المنتج المرجعي في السوق العالمي و يحدد سعر منتوجات سنيم بعد مقارنة خصائصها مع خصائص المنتجات المرجعية.
المنتوج المرجعي L'IODEX 62% Fe : تركيز حديد 62% ، %4 سيليس، 2% آليمين. يقارن مع منتوج سنيم .TZFC
المنتوج المرجعي L'IODEX 62% Fe : تركيز حديد 65% ، %3.5 سيليس، 1% آليمين. يقارن مع منتوج سنيم . GMAB .
نلاحظ أن منتوجات سنيم توجد بها نسبة من مادة السيليس أكثر من المنتج المرجعي و هذا يؤدي إلى إعطاء خصم على منتوجات سنيم.
سعر منتوج سنيم = السعر المرجعي - خصم -سعر الشحن.
بعد محاولة فهم كيف تحدد أسعار منتوجات سنيم، لنرجع إلى محاولة البعض فرض عملاء جدد. ابتداءً من 2011 مع الطفرة الكبيرة التي حصلت في اسعار خام الحديد، اصبحت الإدارة التجارية تتعرض لضغوط كبيرة من أجل بيع منتوجات سنيم لوسطاء. اصبح المدير الإداري العام للشركة يطلب و بإصرار إضافة شركات جديدة كعملاء جدد لسنيم. هذه الضغوطات هي التي ستتسبب في الأخير في استقالة المدير التجاري.
في النهاية ستتعامل الشركة مع بعض العملاء الجدد لأن البعض الآخر لم يستطع الوفاء بالتزاماته بعد حصوله على عقود مع شركة سنيم.
طبعا حصل العملاء الجدد على خصومات أكثر من ما كان سائدا في الشركة، و يقدر التقرير خسارة الشركة جراء هذا الخصومات ما بين 16 إلى 20 مليون دولار بالنسبة لسنة 2011 وحدها !. طبعا سيتواصل هذا الأمر في 2012، 2013 و بدرجة أقل سنة 2014.سأترك لكم تقدير حجم الخسائر الناجمة عن هذا التصرف.
عندما اممت شركة ميفارما في سنة 1974 كانت الشركة تنتج في حدود 11 مليون طن من خام الحديد و اليوم و بعد مرور 46 سنة لا زالت الشركة تنتج تقريبا نفس الكمية وكأن الزمن توقف و كأننا كنا في سبات عميق مدة كل تلك السنوات، لم ننتج كمية معتبرة، لم نخلق قيمة مضافة لمنتوجنا، لم نصنع الصلب، لم نغير كثيرا في سكة الحديد، لم تتجه الشركة لاستخراج معادن أخرى من باطن هذه الأرض التي حباها الله بكثير من الخيرات.
يبدو أنه علينا فقط أن نحمد الله على أن شركة سنيم لا تزال موجودة.
الحمد لله على كل حال.