إن اتفاقية كامب ديفد بين مصر وإسرائيل واتفاقية وادي عربة بين إسرائيل والأردن ليستا إلا بداية مرحلة من التدهور للوضع العربي غير مسبوق وإن ماجرى للعراق وليبيا وسوريا واليمن بعد ذلك مجرد تجسيد لصيرورة التطورات المبرمجة والمخططة بإتقان بهدف إعادة تشكيل وصياغة المنطقة بالشكل الذي يضمن تحكم إسرائيل وسيطرتها على مجموعة الكيانات الإثنية والدينية التي ستنبثق من حطام الكيانات التي كانت تشكل ترتيبات الوزيرين الإنكليزي سايس والفرنسي بيكو اللذان وضعاها كخارطة لما سيطرا عليه من الأراضي بعد هزيمة الدولة العثمانية التي اشترك السكان المخدوعون في هزيمتها ليحل محلها الأعداء والألم.
لقد أوضحت التجربة للقوى الجديدة التي أخذت القيادة من الاستعمار القديم نتيجة القوة التي برزت عن الحرب العالمية الثانية حيث تكرست زعامة مطلقة لإمريكا، أوضحت لها التجربة والصراعات التي جرت في المنطقة أنه لابد من إعادة تشكيل جديد لما تركه المحتلون السابقون .
وإن ظهور حكومات وطنية وقومية يرفع بعضها شعارات تتسم بالطموح ويتقدم بعضها بخطوات عملية تهدد سيطرة القوة الأجنبية ومستقبل الكيان الصهيوني وفي نفس الوقت يهدد استقرار كيانات المنطقة المعتمدة على الحماية الإمريكية كل هذا زاد المخططون للسيطرة وترتيب الوضع بما يناسب مصالحهم تصميما على إعادة تشكيل كيانات المنطقة لقد كان قيام الحكومات الوطنية بإنشاء تعليم حقيقي وتأميم الثروات النفطية وتحقيق إصلاح زراعي يعطي الأرض لمن يزرعها وتحقيق البعض لتطورات وطفرات أحيانا في مستوى المعيشة ومستوى التطور في مختلف جوانب الحياة.. كل ذلك كان في عين الأمريكيين يشكل خطرا على مستقبل نفوذها وحلفائها.
لقد أوضحت تلك المرحلة من تطور الأنظمة الوطنية رغم ماتخللها من عثرات وإخفاقات، مثل الانفصال الذي أفشل أول وحدة بين مصر وسوريا والتي كانت تشكل بداية تحطيم كيان سايس- بيكو ومثل التكرار المُشِينْ للانقلابات والتغيرات السريعة في تلك الأقطار.. رغم كل ذلك ورغم الصراعات البينية التي كانت توضح عدم النضج في التجارب رغم نواقص التجارب التي ذكرنا أدركت إمريكا ضرورة وقف كل ذلك والعمل لترتيب الأوضاع بما يضمن اطمئنانها على المستقبل لقد أخذت إمريكا و إسرائيل خلاصة مفادها أنه ما لم تتغير أحجام الأنظمة وأمكانياتها فلن يمكن لإسرائيل والأنظمة العميلة الاطمئنان مما يفرض ضرورة تغيير الكيانات القائمة لتصبح بمستويات تضمن تفوق إسرائيل وسيطرتها في المنطقة...
إن السياسة التي خططت لها أمريكا وحليفتها الرئيسية والمتعاونين معها استهدفت وقف مرحلة التقدم وتدمير الأنظمة و وضع كيانات غير قادرة على ضمان الاستقرار وفتح المجال لفوضى لا تبقي ولا تذر! سمتها "الفوضى الخلاقة" تستمر تنهك وتضعف الكيانات حتى يستحيل تساكن الكيانات غير المتفقة في المذهب أو العرق وبذلك تتأسس كيانات سخيفة بالغة الصغر لاتستطيع الحياة دون الاعتماد على من يدعمها ولن يكون مما كان معها في الوطن لأن الصراع الذي يتم زرعه بين المجموعات يضع حواجز من الدماء والآلام تصعب استمرار تعاملها وهذا مانشهده الآن بين مختلف المذاهب والقوميات في العراق و في سوريا والأمر في اليمن واضح وفي ليبيايستخدمون الكيانات والجهات والقبائل والمجهود على قدم وساق لإلحاق لبنان بأخواتها الفاشلات !!؟؟
إن هذ المخطط الجهنمي قد تقدم كثيرا وأصبح قريبا من النضوج لكنه وحتى قبل إكماله قد أعطى نتائج فوق ماكان يظن المخططون حصوله بهذه السرعة و في هذه المرحلة فقد بدأت إسرائيل تتعامل مع القضية الفلسطينية بالأسلوب الذي يحلو لها دون منغص في الوقت الذي تنغمس جميع الأقطار العربية بما يكفيها من المشاكل والصعوبات والصراعات.
إن الكيانات التي يقصد المخططون لتدمير المجتمعات تأسيسها كبديل عن كياناتنا القائمة ليست فقط في الدول التي بدأ العمل لتفتيتها وإنما يستهدف كل كيانات المشرق والمغرب العربيين بما فيهم المتحالفون المتعاونون الآن معهم فلن يسلم أي قُطِرْ من الاستهداف لأنهم يهدفون لجعل الكيانات جميعا مُفْتَقِرَة لأسباب الاستمرار دون داعم وحام من خارجهم.
إن مطالب مختلف الكيانات في كل الأقطار متشابهة و تدعمها جهات ومنظمات مشبوهة وتتحمس لإظهارها وترصين إعلامها فمن دروز لبنان وسوريا وأكراد العراق وسوريا وأمازيغي المغرب و"أفلام و أخواتها في موريتانيا" وأقباط مصر وأقليات ليبيا والسودان ومارونيون لبنان وسنة وشيعة أقطار كثيرة ومجموعات سوريا المختلفة!!!؟؟؟
إن التشتيت جار وأصبح قاب قوسين أو أدنى من بدء تنفيذه وهناك أطراف قليلون في العدد ضعيفون في الوسائل واعون للوضع ويبذلون ما بوسعهم لمقاومته لكن الأكثرية لاتعي مايدور وبعضهم مسخرون بعلمهم أو بدون علمهم لخدمة المخطط... وإن مجهود التطبيع ليس أكثر من إشغال وذَرٍّ للرماد في العيون لننشغل في الأمور البسيطة عن الأمور المهمة إن الوضع في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا أصبح يقترب من النضوج لتأسيس كيانات التفتيت التي إن حدثت سنرى أن سايس - بيكو إحدى نعم الله الكبرى مقارنة بما يراد لأمتنا التي -مثل مايقال- تأكل على فراش ذبحها وسلخها وتقطيعها !!! فاكثريتنا غير واعين وعدد منا غير قليل مشغولون بالتَسَنُنْ والتشيع وغير ذلك من الأمور وهذا ما يؤسس عليه المشتتون تشتيتهم والمفتتون تفتيتهم والبعض منا يسعى لخلق كيانات وسلخها من مكوناتها وقومياتها وهذا مربط فرس الأعداء العاملين للتفتيت والتشتيت والإفناء فإلى متى الأعداء يعملون ونحن نائمون؟؟؟ ...!!