ما رأيت أصعب من كيفية اختيار الطريقة المثلى للتعاطي مع خطين متوازين يمثلهما موقفان متعارضان إلى حد بعيد يتقاسمان الساحة السياسية في بلادنا هذه الأيام:
-- موقف يريد أصحابه التصديق بأن أعينهم تريهم ضوءا في نهاية نفق مسلسل الفساد والإفساد الممنهج في هذا البلد؛ وذلك بناء على ما يتم الآن من فتح ملفات تتعلق بهذا الموضوع، والتحقيق مع المسئولين عن شئوننا العامة طيلة السنوات العشر الماضية..
وجاهة موقف هؤلاء يسندها ما يشبه الإجماع الوطني الشامل على إدانة نظام العشرية الأخيرة، والاستبشار الواسع بما يظهر من جدية في احترام مبدأ الفصل بين السلطات وإطلاق يد كل سلطة للوفاء بكل مسئولياتها الدستورية دون قيد أو شرط خارج القيود والشروط القانونية..
-- أما الموقف الآخر فلا يرى أصحابه في كل ذلك سوى مسرحية سيئة الإخراج، وتصفية حساب غاية في الإحراج..
وتتأسس وجاهة هذا الموقف الأخير على قاعدة أن أغلب القائمين على حملة "التطهير والتحقيق والتدقيق" الجارية ليسوا سوى أركان نظام العشرية المدان ورموزه وأدواته التنفيذية، والتشريعية، والقضائية..
أتوقع أن يستمر هذا التوازي في المواقف فترة غير قصيرة، تتخللها حالة من التدرج في استقطاب المواقف المؤازرة لأحد هذين الموقفين؛ لغاية اختفاء الموقف الآخر نهائيا؛ وذلك بناء على ما ستثبته الوقائع التي ستبنى على الأرض تصديقا عمليا وواقعيا لهذا الرأي أو ذاك..
وشخصيا سأحترم كل المتحفظين والمترددين في تصديق أننا دخلنا وضعا مختلفا مع النظام الجديد؛ ما لم يجعلوا من موقفهم هذا غطاء لإنكار فساد النظام السابق أو للدفاع عن بوائقه..
كما سأحترم (بل أنا جزء من) هذا التحالف العريض الداعم للنظام القائم والمصدق لجدية وإخلاص وصدق مسعاه.. ما لم نجعل من هذا الموقف غطاء لتجاهل السلبيات القائمة، والسكوت على استمرار نفوذ الفاسدين وتجديد الثقة فيهم، وإقصاء كفاءات البلد من أصحاب السير الخالية مما يدين أصحابها أو يطعن في نزاهتهم ووطنيتهم..
والله أسأل أن يكون عند أحسن ظنون أهل هذا البلد وأفضلها.