نالت خطة الإنعاش الإقتصادي التي تضمنها خطاب رئيس الجمهورية حظا وافرا من التعليق، و إن كان جل المعلقين -أقصد الفسابكة على الأقل- بقي عالقا في كلمة "الإقلاع" لا يتجاوزها... بعضهم سخر من الخطة و من عبارة "الإقلاع" ... البعض الآخر كان متشائما جازما بأنه لن يكون أحسن مما كان، فالأمر بالنسبة له هو مجر "وعود عرقوب" تتكرر ...
و الناس معذورون في كل ما يذهبون إليه من تشاؤم و إنعدام ثقة بسبب كثرة ما خيبت الأنظمة المتعاقبة أملهم من خلال الخطابات و الشعارات الخاوية ...نعم يجب أن يعذروا الى حين يتبين - فعلا لا قولا - أننا أمام من يقول و يفعل و يعد و يلتزم و يتعهد و يفي...
***
"الإقلاع" الإقتصادي -الذي هو مادة سخرية و تنكيت جل الفسابكة هذه الأيام- يحدث بشرطين.... الأول هو خلق مناخ سلم و توافق إجتماعي تخف فيه حدة الإستقطاب و يجد فيه الناس الفرصة للمساهمة في شأن بلدهم... و قد تحقق هذا الشرط بنسبة جيدة خلال السنة الأولى من المأمورية و البقية تأتي بإذن الله تعالى.... أما الشرط الثاني فهو محاربة الفساد بالقانون و ليس بالشعارات كما تعودنا ... و هذا الشرط في خطواته الأولى للتحقق من خلال ترك المؤسسات الرقابية و القضائية تعمل دون تدخل من الجهات التنفيذية... و قد كان من ذلك ما يدعو للتفاؤل... و الأمل باق في مواصلة نهج الفصل الكامل و الفعلي بين السلطات الى أن نصل حقيقة الى دولة المؤسسات بدل مؤسسات الدولة ...
***
أتوقع أن يخرج على أحدهم ليقول لي : هذه الشروط "ما اتجي في المرجن" و بالتالي ليست مهمة بالنسبة للمواطن البسيط... و أرد عليه بأنها هي المرجن نفسه ... أما الذي يأتي فيه فيمكن أن يأتي لاحقا بعد تحقق الشرط... و الشرط يلزم من عدمه العدم...
***
يخيل إلي أن أهم أسباب فشلنا في الحياة هو تجاهلنا الوقح للسنن و النواميس و المناهج التي يأخذ بها العالم في تدبير شأنه... إننا نريد الحصاد دون زرع... و نريد أن نجِد قبل أن نجدّ... و نريد أن نشيد و نبني دون أن نخطط و ننظر و ندرس ...
الأمور -أيها السادة- تحث عبر مرحلتين .. مرة في عالم الخيال و مرة في عالم الواقع... و محاولة حدوثها عبر إختزال واحدة من المرحلتين هو جهل بالسنن و النواميس زيادة على كون النتيجة ستأتي خداجا ... و عليه يجب أن لا نتضايق من الدراسات و الخطط و البرامج و الرؤى و التصورات ... عدمها هو الذي يدعوا للقلق فعلا ... و تجاهلها هو الذي جعل إنجازات عشريتنا الأخيرة تنهار أمام أول إختبار.
***
من الجيد للجمهور خارج الحلبة أن يقدر حجم المعاناة و التعقيدات و الإكراهات التي يواجهها الذين هم في مواقع المواجهة مع الأحداث تماما كما أن على هؤلاء تقدير حجم المعاناة و التعقيدات و الإكراهات التي يجد المواطن البسيط نفسه ضحية لها في كل يوم...
على المواطن أن يفهم أن الأمور لا تحدث دائما من خلال وصفة "والديكم قادرون" و على الدولة أن تعي أن من يده في الرمضاء ليس كمن يده في النعيم...
***
من كل قلوبنا نرجوا أن تتحلى نخبنا الموقرة بشيء من الأناة و الموضوعية و الجدية في معاجلة الأمور الجارية مع التخفيف من إستعمال أداة قياس ما هو كائن على ما كان و خاصة عندما يتوفر الفارق بل الفوارق الكثيرة ....
و من كل قلوبنا نرجوا النجاح للرئيس في الوفاء بكلما تعهد به في هذا الخطاب و في غيره خدمة لهذا الشعب المنكوب الذي لم يفقد فقط خيراته و كيان دولته بل و فقد مع ذلك الأمل في إمكانية إصلاح ما تم إفساده.