استيقظنا صباح يومنا الثاني في غزة ، حيث كان الجو أكثر صفاء..توجهنا إلي مستشفي الشفاء، الذي كنا ألفنا صورة مدخله عبر القنوات، عندما كان يستقبل قوافل الشهداء والجرحي، خلال حربي: "الفرقان والسجيل"،
حيث استقبلنا مديره بحفاوة، ودخل معنا في حديث مطول، تضمن شرحا وافيا عن المستشفي وأقسامه التي يتجاوز أطباء قسم الولادة بها الضعف (60)بالنسبة لمجموع أطبائنا المتخصصين في هذا المجال(30)- حسب الشيخ ولد أبو محمد- كما أخبرنا بأنه كثيرا ما تابع الأحداث الموريتانية عبر الجزيرة وخاطبنا مازحا: أنتم تحتاجون إلي جهد جهيد لمواجهة التصحر.
ثم توجهنا إلي المجلس التشريعي، حيث استقبلنا نائب رئيسه: السيد أحمد بحر، رفقة بعض العلماء والقراء الأعضاء، من بينهم الناطق الرسمي باسم حماس، الأستاذ مشير المصري وبعض الشخصيات المعروفة إعلاميا.
وخلال هذه الزيارة انقسم الوفد إلي قسمين:
1-الشيخ الددو والبرلمانيين صعدوا المنصة، حيث تحدثوا وأجادوا واتسم أداء الفنانة المعلومة بالمناسبة طابعا شاعريا، عكس موهبتها في تطبيق "لكل مقام مقال".
2- عامة يرأسهم "ممين" وبعضويتي، جلسنا كمستمعين للكلمات الجميلة والمعبرة، عزاؤنا أن شيخ قراء فلسطين كان يجلس بجوارنا.
وبعد توشيح النائب بحر لنا بالكوفية الفلسطينية وتبادل الهدايا بين الشيخ الددو ونائب رئيس المجلس التشريعي، وبعد صلاة الظهر بمسجد المجلس، وقفنا أمام مقره المؤقت، لأخذ صور جماعية انتهت بصورة خاصة جمعت بين الشيخ الددو ومشير المصري.
بعدها اتجهنا صوب منزل رئيس الوزراء، السيد إسماعيل هنية بمخيم الشاطئ، فوجدناه غير خائف ولا وجل، يقف في منتصف الشارع الملاصق لبيته ينتظرنا، فوزع العناق والكوفية الفلسطينية علينا بعدالة وانفرد "ممين" بتقبيل يده، وهي خطوة رآ الشيخ ولد أبو محمد أنها استفزت أمن رئيس الوزراء، لكننا- للأمانة- لم نلاحظ واقعا كهذا.
وأثناء تقديم الشيخ الددو لهنية أعضاء الوفد، استشكل همسا لقب نقيب المحامين: "بحبين"، فرد عليه الشيخ الددو ببيت من الشعر العربي:
أحب من جميع الأسخياء ول
كني أحب أبا حبين حبين
وفي ختام اللقاء تبادل الشيخ ومعه بعض أعضاء الوفد وهنية الهدايا، التي كان أبرزها:"إيلويش" كبير وفخم، من أجود الصناعات التقليدية الموريتانية.
ورغم أن الفنانة المعلومة والشيخة زينب بنت الددة استقبلتا من طرف مشعل وهنية وحرميهما مساء اليوم السابق، فإنهما لم تحضرا معنا هذا الإستقبال، إلا أن باقي الوفد كانوا جميعهم حاضرين لهذا اللقاء، لكنني سأتحفظ علي هذه الحقيقة، لكي لا أكون مشككا في مهنية قناة" المرابطون " الناشئة.
وبعد هذا اللقاء وبفضل الذوق الرفيع لاسحاق، حظينا بغداء متميز في مطعم متخصص في وجبات السمك، فكان مسك الختام ليوم حافل بالنشاطات المهمة، يوم كرم فيه الفنانون الفلسطينيون، الفنانة المعلومة بنت الميداح وكان مقررا أن يستقبلنا خلال مسائه الأستاذ مشعل، إلا أن تطورات أمنية تسببت في إلغائه وإنهاء محاضرة للشيخ الددو، بفعل دخول دبابات صهيونية داخل القطاع ووجود الطيران الصهيوني في سماء غزة بكثافة، حيث باتت غزة في حالة استنفار أمني، لم نبلغ به إلا بعد وصولنا إلي معبر رفح الفلسطيني.
لقد حرص الإخوة في غزة علي أن ينظموا لقاآت ثنائية حسب الإختصاص والصفة بين أعضاء الوفد ونظرائهم الفلسطينيين: الصحفي مع الصحفيين والمحامي مع المحامين والفنانة مع الفنانين والبرلمانيين مع نظرائهم والعالم مع العلماء والطالب مع الطلبة....إلخ، فكانت خطوة موفقة اطلعنا من خلالها علي الكثير من الجوانب المهمة التي تعرف بفلسطين عموما وبواقع غزة خصوصا.
كانت محطتنا الأولي خلال يومنا الثالث بغزة، هي: الجامعة الإسلامية، حيث سبقنا إليها الشيخ الددو، فوجدناه يحاضر أمام طلبتها وأساتذتها، الذين بلغ بهم التأثر حد مطالبتنا نحن المرافقين بأن لا يحرمهم الموريتانيون من علمهم الشرعي الغزير، مؤكدين أنهم أحوج إليه من غيره.. لذا يجب أن لا نحرمهم منه.
وفي الجامعة الإسلامية التقينا برئيسها وبكبار المسؤولين فيها، حيث وزعت علينا هدايا رمزية و قنينات صغيرة من زيت الزيتون، مصدرها أشجار الزيتون الموجودة داخل سور هذه الجامعة.
وفي الطريق إلي معبر رفح وقفنا للتزود بزاد الرحلة، تبركا بمنتجات غزة وبتمور تلك الأرض المباركة وكالعادة كان غلام هو من ينفرد بتوفير جميع المستلزمات للوفد، فاشتري لنا تمرا مكتوبا عليه"صنع في إسرائيل"- وهي هفوة قد يستغلها المطبعون ضدنا في الرباط، لكن للأمانة لم ينتبه في البداية إلي هذا المصدر، لأننا في المجمل كنا نعتقد أنه رطب من غزة، نتبرك به ولنا فيه مآرب أخري.
وفي الطريق إلي معبر رفح حرص مرافقنا (وهو ابن أخت هنية)علي توديعنا بطريقته الخاصة من خلال أناشيد دينية، أداها بصوت شجي جميل، كانت ختام مسك لرحلتنا عبر غزة، التي اختتمت لحظة توديعنا عند معبر رفح الفلسطيني، الذي كان الأفضل بالمقارنة مع الطرف المقابل.. وما إن ودعنا غزة وسكانها المرابطين ومجاهديها القابضين علي الزناد، حتي اكتشفنا مجزرة جماعية لجميع المعاطف:"الجاكتات"، التي كانت لدي بعض شخصيات الوفد البارزين، منها ما هو مصحوبا بدراهم معدودة ومنها ما هو خاوي الجيوب.
أما وجبة الغداء الملفوفة في الورق، فهناك من تعجل في تناولها بين الرفحين وهناك من تناولها داخل البناية المصرية، حيث التقينا بعمو امحمد(سائق الباص المصري) بصحبته أحد مرافقينا خلال رحلة الذهاب من القاهرة إلي غزة، لنبدأ رحلة مختلفة داخل الأراضي المصرية، لكن هذه المرة بنكهة جديدة ووفق منطق ومزاج مختلفين، رحلة كسرت الحواجز بين أعضاء الوفد،عشنا خلالها لحظات يندر أن تتكرر.
إنها الشطر الأخير والحلقة الخامسة من قصة القافلة.. التي نريدها مسك ختام لرحلة، رفعت إسم موريتانيا وعلم موريتانيا وعرفت بالمحظرة الشنقيطية.. لذا يجب أن نطلع عليها كل موريتاني مهتم وراغب في أن يعرف كواليس رحلة عاشتها غالبية الشعب الموريتاني بمشاعرها الصادقة وأحاسيسها المرهفة.