في هذا الزمن المليء بالمتغيرات المستمرة والرفض الخلاق والبحث الدائم عن الأفضل، تنهض إلحاحية الحفاظ على التواصل والتكامل الحضاريين، وتشتبك منهجيا مع واقع الجمود العاطفي والنفسي الذي يسيطر على عالم اليوم، وتخوض صراعات حامية من أجل السيطرة على جبهة الزمن التي تمتد على بساط الأحقاب المتوالية بين تخوم الماضي وآفاق المستقبل.
والوضع الفكري الإنساني اليوم يخضع لقوانين هذه المعركة الضروس بين إلحاحية التفاعل الحضاري المستقيم والمحسوب النتائج - للحفاظ على التسلسل المنهجي للتطور - وبين ثنائي متناقض يتمثل في : هواجس الانفلات والتحلل الناتجة عن التطورات التكنولوجية الهائلة من جهة، ومن جهة أخرى الهروب إلى الماضي المنفلت والترسب في مستنقعاته بحثا عن الاطمئنان في ظل سكينته القاتمة التي امتصت ملامحها دوارس القرون.
هذه الوضعية المجنونة التي يمر بها الفكر البشري اليوم تجعل الإنسان يخشى من أن يعيش على كف المجهول كما تجعل سيل الأسئلة ونقاط الاستفهام التي تتراقص على شفاه المستقبل الإنساني تزيد الرؤية غموضا، بينما تتكاثف بقع الزيت المتناثرة على بساط المصير الفكري البشري لتزيد مستقبله حلكة وسوادا إذا لم تكن هناك رؤية مشتركة تلزم الجميع بمتطلبات التعايش الإنساني السلمي.
فلا تكاد معالم المستقبل الفكري الإنساني تتحدد حتى يداهمها التشويش من جديد وتزداد الحسابات بشأنها حيرة وارتباكا فيتلاحق كم الأحداث المتراكضة بجنون ويزداد طغيان التحديات التي تتراقص على جبين الزمن المتهالك مما يتطلب العمل من أجل مستقبل محصن من "الجموح" أكثر من اللازم ومن "الجمود" أكثر من اللازم.
ففي عالم مثل عالمنا اليوم مسكون بالتحديات لا مجال للإبحار بدون شراع، وشراع اليوم هو استيعاب العصر بعطاءاته المختلفة، بتقنياته، بأبعاده الثقافية، ثم توظيف كل ذلك في خلق ثقافة وطنية أصيلة ومعاصرة في آن معا: أصيلة على أرضية حضارية وصلبة ومعاصرة تستوعب العصر ومعطياته وتنظر إلى المستقيل بثقة في النفس وثبات في الخطى وتفاؤل في الرؤى وحساب في النتائج !!