في ظل خريف مبشر وتساقطات مطرية معتبرة على أغلب ولايات الوطن، وتباشير من طرف الأرصاد الجوية بأن تشهد بقية الولايات أمطارا في الأيام المقبلة ، يكون الحديث عن ضرورة الحفاظ على مخزون الغطاء النباتي أولوية قصوى قبل فوات الأوان.
إن وضع خطة مسبقة لفتح الممرات والطرق لتجنيب المراعي خطر الحرائق بات أمرا ملحا ، وما لم توضع هذه الخطة في الوقت الراهن ويتم الاستعداد لها جيدا لن تكون بالجدوائية المطلوبة.
إن البيئة الموريتانية بشكل عام بحاجة ماسة لثورة جديدة تجرم قطع الأشجار فعليا ، وتجارة الفحم (لحموم) والصيد البري بكافة أنواعه ، مع ضرورة التشدد فيما يخص الحرائق عن طريق فتح تحقيق في كل حادثة ومحاسبة المتساهلين.
إن التصحر الذي بدأ مطلع ثمانينات القرن المنصرم مازال يلتهم سنويا مزيدا من المساحات الخضراء بفعل موجات الجفاف والقطع الجائر لأشجار الغابات والحرائق ، وانعدام الثقافة البيئية وإهمال جهات الرقابه ؛ كل ذلك أصبح تهديدا مباشرا للأمن الغذائي ، وخلق مشاكل اقتصادية جمة ، وشكل حافزا إضافيا لموجات النزوح من الأرياف إلى المدن.
لقد تحولت مساحات شاسعة من الشمال والشرق والجنوب والوسط الموريتاني في ظرف وجيز إلى أرض متصحرة خالية تماما من أي مظهر من مظاهر الغطاء النباتي، مع تراجع نسب التساقطات المطرية ما خلق مشاكل جمة وعصية على الحلول.
إن بعض الدراسات غير الرسمية تشير إلى أن حوالي ثلث السكان مازالوا يعتمدون على الفحم في الطبخ والتدفئة ، ولنا أن نتخيل كم من الأشجار يتم قطعه سنويا لهذا الغرض ، خاصة في ظل مافيات تحتال برخص صادرة من الجارة مالي لتوريد شاحنات الفحم الذي تم قطع أشجاره من غاباتنا المحلية ، وتلك قصة أخرى ، ومظهر من مظاهر الفساد وغياب الوازع ، وانعدام الحس الوطني.
إن السلطات مطالبة بمراجعة برامجها العبثية في هذا المجال ، ووضع حلول عاجلة وناجعة لمواجهة هذه التحديات ؛ على رأس هذه الحلول تشديد الرقابة البيئية ، وتنقية الأجهزة المكلفة بالبيئة من الفساد والرشوة ، وكافة أشكال سوء استغلال السلطة.
إن أية سياسة جادة في هذا المجال يتعين إضافة إلى الصرامة في تنفيذها ، أن تراعي ظروف السكان المحليين المادية الصعبة عن طريق دعم أسعار غاز البوتان لتكون أرخص بكثير من أسعارها الحالية التي ليست في متناول الكثيرين.
إن تصحرنا البيئي يرافقه تصحر في الوعي والثقافة لم يعد تهديدا للجغرافيا فحسب بل أصبح يهدد التاريخ.
لقد حذرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونيسكو في تقرير لها منذ أعوام تحديدا 2016 ، حذرت من أن مدننا الأثرية باتت مهددة بزحف الكثبان الرملية.
إن المدن الموريتانية المصنفة ضمن التراث العالمي الإنساني لدى اليونيسكو باتت معرضة للإختفاء والإندثار جراء غياب الوعي البيئي وتسارع عوامل التعرية ، وخاصة مدينة شنقيط ومدينة ولاته.
أنقذوا ترواثنا وبيئتنا جزاكم الله كل خير!