يقول مثل فرنسي ما يمكن ترجمته ب-"الليل يجلب المشورة"، لقد نصحني المحامي بعدم "استعداء" المحققين بالتدوين حول أسئلتهم وهورأي مهني وجيه ويعتد به طبعا. وأود هنا التفريق بين "المحققين" الذين ينفذون تعليمات فنية بطرح أسئلة معينة ويستمعون إلى الأجوبةعليها ويسجلونها، و"الشرطة السياسية" التي لها أدبياتها الخاصة والتي تشبه إلى حد كبير أدبيات الوسط السياسي المعهود.
لم أتوصل بعد إلى الرأي القانوني المجرد بخصوص حقي في التعبير كتابيا عما يجري بيني وبين المحققين، وأعتبره حقا طبيعيا ووسيلةموضوعية وشفافة للدفاع عن كرامتي، إلا أنني لست من أهل الاختصاص، من جهة، و أعرف، من جهة أخرى، أن القانون ليس علما دقيقا،لذا قررت طلب رأي مكتوب من أحد المتخصصين كأساس للحوار مع المحققين ؛ فاحترام القانون الموريتاني (عقدنا الاجتماعي) أمر أساسيبالنسبة لي، لأن هذا القانون ثمرة تراكمات نضالية وتحيينات عبر الحقب والدعامة الأساسية لدولة الواجبات والحقوق وأمانة للأجيال القادمة.
ومما يعزز قناعتي بانحياز القانون إلى جانب حرية تعبير الشاهد أو المشتبه فيه أو المتهم، فيما يتعلق بالتحقيقات الأولية، أن المسألة برمتهافرضية (مبدأ البراءة) وستظل كذلك حتى يقول فيها القضاء الجالس كلمته الفصل، فمن طبيعة نقاشها -في هذه المرحلة- بصفة علنية أنتتضح الصورة وأن "يخرج الصواب". وبما أن الأمر يتعلق ب-"أموال عمومية منهوبة"، فمن حق الرأي العام متابعة تفاصيل خطوات"استرجاع أمواله" خطوة بخطوة في إطار التحقيق الابتدائي، تماما كما تابع مجريات الأمور على مستوى "لجنة التلفيق" البرلمانية.
وفيما يتعلق بالأمور اليقينية، على البرلمانيين والشرطة القضائية وكتيبة المحامين ("المْتْحاميين") وفيلق منظمات المجتمع المدني والكتلالحزبية والصحافة وكل من هب ودب ممن فتحت لهم الدولة أبواب خزائنها للتنكيل سياسيا بالرئيس السابق السيد محمد ولد عبد العزيز،إلقاء نظرة ولو خاطفة على ما يلي:
١- تم تسجيل ١١٣ صفقة عمومية بالتراضي خلال أربعة أشهر فقط، مكلفة الدولة .٢ مليار أوقية،
٢- ارتفعت ميزانية الرئاسة هذه السنة بأكثر من ٨٨٪
٣- ارتفعت ميزانية الجمعية الوطنية هذه السنة بأكثر من .٣٪،
٤- ارتفعت ميزانية وزارة العدل هذه السنة بأكثر من ١٧٪ .
ففي وقت تعرف فيه البلاد -والعالم من حولها- صعوبات اقتصادية جمة وفي وقت يتم فيه الترويج داخليا ل-"الأخلاق" في تسيير الشأنالعام، وفي وقت تئن فيه طبقات واسعة من الشعب الموريتاني تحت وطأة البؤس، كان حريا بالمؤسسات العمومية السيادية أعلاه إعطاء المثلالحسن في التعفف والزهد والإثارة، وذلك من خلال تخفيض موازناتها وتقليص مصاريفها ؛ ولعل التدوين حول هذه المعطيات القطعية وماعلى شاكلتها يعتبر - في أجواء التضييق الحالي على الحريات الفردية والجماعية في بلادنا- فرض كفاية...