بلغ مستوى غياب القطاع الخاص عن المساهمة في العملية الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة حد العزوف عن الاستثمار حتى في القنوات ذات العائد المضمون والمخاطر المتدنية كشراء أذونات الخزينة التي تصنف كآلية استثمار غير مباشر ،لتصبح الشركات الحكومية كالشركة الوطنية للصناعة والمناجم (SNIM) ،الشركة الموريتانية للكهرباء (SOMELEC)...هي من يشتري تلك الأذونات لتغطية العجز المؤقت للخزينة .
عندما يتوقف القطاع الخاص عن مثل هذه الاستثمارات ذات المخاطرالأقل فيصبح من المستبعد له الدخول بشكل مباشر كافتتاح مصانع وشركات جديدة أو التوسع في أنشطة قائمة ،نظرا لما يتطلبه ذالك من جهد بدني وتكاليف تسيير بالمقارنة مع الاستثمار في أذونات الخزينة ،لتجد الحكومة نفسها مضطرة لتحمل مسؤولية خلق النمو من خلال الميزانية(الإنفاق العام) لتتولد علاقة مباشرة بين الإنفاق العام والنمو الاقتصادي :إذا زاد الإنفاق العام ارتفع النمو والعكس صحيح ؟؟؟ قبل أن تتعمق تلك العلاقة لتصبح بين المديونية والنمو كما أشارت التقارير الدولية التي تحدثت أن موريتانيا وصلت في بعض السنوات :حيث تراجع أسعار الخامات وارتفاع الضرائب... إلى مرحلة أصبحت تمول النمو من خلال الاقتراض : إذالم تقترض الحكومة فلن يحصل أي نمو!!! وهي وضعية تتضمن الكثير من التشوهات وتولد نمط نمو غير مستدام بسبب ارتباط ذالك النمو بزيادة المديونية وعدم قدرته على توفير وظائف بحجم تستطيع الحكومة من خلاله امتصاص معدلات البطالة المرتفعة لأن حيز الميزانية لا يتجاوز في العادة نطاق قطاعات خدمية كالصحة ، التعليم ، الأمن ، الدفاع....التي لاتتطلب في مجملها عمالة مرتفعة العدد على العكس من القطاعات الأخرى الإنتاجية والصناعية التي تعد من اختصاص القطاع الخاص المتردد في الدخول بسبب ضبابية المشهد طيلة السنوات الماضية وغياب قواعد التنافس النزيه على حد وصف الرئيس المدير العام للبنك الوطني لموريتانيا(BNM) السيد :محمد ول أنويكظ .
اليوم هنالك توجه حكومي صريح بعد انتخاب الرئيس "محمد ول الشيخ الغزواني" نحو إخراج الاقتصاد من تبعية القطاع العام من خلال إعادة الثقة في القطاع الخاص كمحرك للنمو ومكمل للعمل الحكومي حيث عمل الرئيس ولايزال على خلق بيئة سياسية واجتماعية مستقرة ومطمئنة لرأس المال الجبان بالفطرة بعد سنوات طويلة من الاحتقان السياسي والاجتماعي وذالك من خلال اللقاءات المتكررة مع زعماء المعارضة الرادكالية وأهم الشخصيات الحقوقية ،كماتم أيضا إعادة النظر في الامتيازات الجمركية والضريبية الممنوحة للبعض على حساب البعض الآخر بغية خلق مناخ تنافسي شفاف وعادل بين الفاعلين الاقتصادين يمكن من خلاله الرفع من مستوى الجودة و تصحيح الأسعار.
أما في الجانب المؤسساتي فقد عملت الحكومة في الفترة الأخيرة على تفعيل وإنشاء مصالح عمومية تعنى بجذب وحماية الاستثمارات كالمجلس الأعلى لتحسين مناخ الأعمال التابع لرئاسة الجمهورية والمركز الدولي للوساطة والتحكيم من أجل انسيابية تدفقات الاستثمارات وتوفير بيئة قانونية يمكن للمستثمر خاصة الأجنبي التعويل عليها لحماية حقوقه التجارية.
لم تتوقف الإجراءات التحفيزية للقطاع الخاص عند الخطوات السابقة ،بل توسعت لتشمل أيضا سياسات مالية ونقدية متساهلة ترفع ربحية القطاع الخاص وتوفر له رأس المال بتكاليف منخفضة ،وفي هذ السياق تم مؤخرا رفع الفائدة الترجيحية لأذونات الخزينة إلى %4،89 بعدما كانت لا تتجاوز %2 خلال العشرية الماضية وهي خطوة تصحيحية لجذب المستثمرين وحمايتهم من التضخم عند اكتتابهم في تلك أدوات الدين الحكومية لترتفع في المقابل حسب أحدث تقرير للبنك المركزي حيازة البنوك من مخزون أذونات الخزينة بنسبة %2 خلال 2019 على الرغم من نقص السيولة وهو مايقود أيضا إلى التساؤل :هل عادت بالفعل البنوك لأذونات الخزينة في ظل النظام الحالي؟؟؟
فيما يخص الجانب النقدي البحت عمد البنك المركزي إلى خفض الفائدة الأساسية من %6،5 إلى %5 والاحتياطي الإلزامي لدى البنوك من %7 إلى %5 وهي إجراءات ظاهرها تحفيز للاقتصاد في وجه الجائحة لكنها تتقاطع مع التوجه العام للحكومة نحو التعزيز من دور القطاع الخاص ،حيث من المنتظر أن تساهم تلك الإجراءات في رفع مستوى السيولة لدى البنوك بعدما باتت تحتفظ بأموال أكثر من ودائع الزبناء وتقترض بفائدة أقل من جهة المركزي وهو ماسيدعم المراكز المالية لتلك البنوك إن صح التعبير لتباشر الاستثمار في مفاصل الاقتصاد كالزراعة ،الثروة الحيوانية والصيد... أوتقرض فائض سيولتها للشركات الصغيرة ،المتوسطة والكبيرة (القطاع الخاص) حتى يصبح بإمكانها العودة من جديد للعملية الاقتصادية لتحقيق الربح ،خلق الوظائف وتخفف الضغط على الميزانية العامة للدولة بعد:احتواء الاحتقان السياسي و الاجتماعي ،العمل بمؤسسات حكومية داعمة ،تخفيض تكاليف التمويل و وجود فائض معتبر في إنتاج الطاقة وبأسعار ستكون مناسبة على حد ذكر وزير الاقتصاد الحالي.