رأيت فيما يرى النائم / محمد عبدو

رأيت فيما يرى النائم كأن قوما ذووا ميول غريزية في بيع الدموع و جني الثمار من مآسي الآخرين، رأيتهم وكأنهم يذرفون دموعاً أشبه ما تكون بدموع التماسيح سكبوها بجود كبير يعكس تأثرا عميقا على قرية من الضحايا والقتلى وبقايا أشلاء، هكذا عرفت في الماضي وهكذا

هي في الحاضر وهكذا يستشرفون لها في المستقبل لأن دموعهم المدفوعةِ أثمانها تتعلق قيمتها بتلك المعاناة . ولأنها دموع تماسيح كما أوضح لي طيف غامض حين اكتشفت في بعض جوانب النفس الراسخة فيهم والتي تُرَى بوضوح في حالات النقاء ـــ فقط ـــ حين تكون الغريزة الفاحصة في صفاء تام و تكون الإرادة البشرية ـــ التي لا ترى إلا ما تراه العين ويخدعها الكلام ويسرها الغلاف الخارجي للإنسان ولا تملك جوازات العبور لأبعد من ذلك ـــــ ، حين تكون مصفدة تنتظر حيث العالم السفلي البهيمي ، أوضح لي الطيف الغامض في حقائقهم الكاملة جانبهم الضاحك من تلك المعاناة وما تدر عليهم ، رأيت جانبهم الفعلي المبني على ركوب موجات الدموع والتجديف بأعمدة المراثي والتنفس من سموم الكذب والضحكات "الصفراء" ، نعم ميزت الضحكات "الصفراء" كأوضح ما يمكن أن تكون عليه في وقاحتها وحقدها وحِدًّتها دون أن يتحملوا عناءً أن يفصلوا التعبير عن عيونهم الدامعة التي كانت تقطر سعادة وتشفي . ورسوا على الشاطئ الأول مدعومون بجحافل الدموع وقنابل الصياح ليخرجوا من جُيُوبِهم الخلفية أوراقا تحوي تصورات جاهزة لما يريدون ان يكون عليه الجميع، فتناولها غلمان مخمورون برعود الصيحات وأمطار الدموع مسكونين بالتأثر، رفعوها لعنان السماء حينها تحولت تلك الدموع إلى تصورات تبادلها النائمون في حركات تلقائية دقيقة بتتابع تشبه أساليب التعليب في المعامل الصناعية ، ومن النافذة خرج الجميع يرتدون نفس التصورات كأنهم حبات من الحصى في تشابههم يصيحون ويذرفون الدموع . ولأن الزمكان الذي أفرز الدموع كوسيلة من أسلافهم عن فلسفة يفهمها الأسلاف قبل مزاحمة المنطق والنقد للأفكار في أكثر التزاوجات انتاجا على مر الأحلام تحول التصور من وسيلة إلى صنم مقدس لا لأي تفسير ،جعل الأبناء يذرفون الدموع دون أن يفهموا السبب ، لقد تحولت دموعهم إلى عادة للجميع بتبرير وحيد "نبكي كما كان آباءنا يبكون" ، لازالوا رغم أن القرية الأولى ردمت في طبقات الزمن ولم يبقى من معاناة لتلك الدموع إلا معاناة واحدة .. هي أن الأبناء لا زالوا يبكون . فجأة أخذتني رجَّةٌ من موجات النفس البهيمية التي تشاركني العيش حين الصحو ولا تفارقني حتى ساعة تغتسل الروح منها في المياه الأولى من النوم ، بدأت تلك النفس في التوافد إلى العالم الغريب عنها راغبة في إعادة خلط الأمور علي من جديد مما ينعكس على مزاجي أحيانا بالحزن الشديد وسكرة في الأنفاس تجعلني كالمخدر الذي تتخطفه تعاويذُ سدنة السحر الأسود من المدينة الفاضلة ،أو بالفرح العميق أحيانا أخرى كنشوة الناجي من جحيم الكوابيس المتوضئ في النهر الواقع على حدود جنة الواقع ...أو بكليهما معا.

23. ديسمبر 2012 - 1:23

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا