سيدي الرئيس إليك أكتب.. وسأصدقك ،
أنا مواطنة موريتانية، أعترف لك بداية وفاء بعهدي لك بأن أصدقك، بأني لم أنتخبك، ولم أمنحك صوتي، فأنا كنت – وما زلت - أنتمي لمشروع سياسي يعارض لمشروعكم؛ لكني مع ذلك أتمنى صادقة أن أرى فعلا مختلفا منكم، وأتأسى بالإمام الشافعي في المقولة التي تنسب إليه، والتي يقول فيها "ما جادلت أحدا إلا تمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه"، فأنا رغم عدم دعمي لكم سياسيا أتنمى لكم التوفيق في خدمة هذا الشعب، وفي النهوض بالمهام التي حملتموها، وستسألون عنها.
سيدي الرئيس،
أنا بنت الشرق، فيه ولدت، وعلى أديمه ترعرت، وعلى رماله ناغيت، وتحت ظلال أشجاره الباسقة لعبت، وحلمت.
لقد ولدت نهاية عقد الثمانينات، بعد سنوات من دخولكم للجيش، في مدينة "اتنيبه" – هكذا نسميها تدليلا-، وقد كنت محظوظة من بين فتيات جيلي، لأنني تمكنت من الدراسة، حيث أكملت تعليمي الثانوي في أشهر ثانوياتها، بل ثانويات المنطقة ككل.
سيدي الرئيس،
رغم أن الذكريات تتوارد علي بكثرة، إلا أن الواقع يستحثني للتخلص، والحديث إليكم بشكل مباشر، وقد علمت أنكم تنوون زيارتنا، والاطلاع على أوضاعنا عن قرب، عل ذلك يجعلكم أكثر قدرة على منحنا حقوقنا، وأداء واجباتنا عليكم.
لكن ما سمعته عن الزيارة جعلني آسف لها كثيرا، سواء من حيث الاستعجال، أو قلة الوقت المحدد لها، أو نطاقها الجغرافي، ورغم كل تلك المنغصات، فلقد سعدت بالزيارة كونها الأولى لكم لولاية منحتكم أعلى نسبة تصويت في الانتخابات الماضية.
سيدي الرئيس،
أصدقكم، أننا نعول كثيرا على أن تكون زيارة للولاية مختلفة عن زيارات من سبقوكم شكلا ومضمونا، وإن لم تكن كذلك فأرجوكم ارحموا الساكنة، ولا تجمعوا عليها عظم الفاجعة والمصاب، مع تكرار الخيبات، لأن عدم اختلافها عن زيارات من سبقوكم، سيحولها من إنجاز مرجو ومنتظر ومأمول إلى محنة ترهق كاهل الأهالي وتزيدهم معاناة على معاناتهم.
سيدي الرئيس،
لا أخالكم، مهما أطلقت العنان لخيالكم، ستصلون إلى صورة - ولو تقريبية – عن واقع التنمية في البلاد، وعن وضع الخدمات، بل ضروريات الحياة فيها، فضلا عن تردي مستويات التعليم، وتهاوي النجاح في المسابقات الوطنية.
هل يمكن أن تصدق – سيدي الرئيس – أن يكون عدد المتجاوزين في امتحان الباكلوريا يعد بالعشرات – أو أقل – في ولاية تمثل أكثر من 10% من سكان البلاد، وترتفع نسبة الشباب بين سكانها بشكل كبير؟
وهل تعلم – سيدي - أنكم تحلون – الآن – ضيفا كريما على الولاية، بعد حوالي أسبوعين من استئناف السنة الدراسة، وأن 137 مدرسة غير قادرة على استقبال التلاميذ الذين يراد منهم منافسة زملائهم في المسابقات الوطنية، وقد بدأوا دراستهم من اليوم الأول، فأي عدالة هذه!.
سيدي الرئيس،
ومعذرة عن الإطالة، فأنا أقدر حجم انشغالكم، لكن رغم كل شيء، لتسمحو لي أن أسرد هذه القصة، فقبل ليلتين، تلقيت اتصالا من شيخ مسن، في قرية قرب بوصطلية في أعماق الولاية المعزولة.
لقد جعلتني هذه المكالمة أذرف الدموع رغما عني، فقد أخبرني – بحسرة – أن أطفال القرية الذين يناهز عددهم الخمسين لم يجدوا مدرسًا منذ ثلاث سنوات، نعم منذ ثلاث سنوات رغم افتتاح المدرسة – في عموم البلاد وفقا لوزارات التعليم المتقلبة - كل سنة!
نعم، سيدي الرئيس، منذ ثلاث سنوات وليس ثلاثة أيام، فعمر التخلف هناك يقاس بالسنين، رغم أننا في عالم أصبح يفرض حساب الوقت بالثانية. إنهم – بكل أسف - خارج الزمن، وعلى حافة الجغرافيا.
سيدي الرئيس،
هل أحدثكم عن الصحة، وأغلب السكان لم يسمع بها، أو سمع ولم يرها.. أم عن الطرق، ومدن وقرى يقطنها الآلاف يعيشون في عزلتهم منذ سنوات، أم عن الفقر والفاقة – رغم التعفف والإباء -، لقد تشعبت المواضيع، ولا أريد أن أطيل عليكم، وقد أطلت..
سيدي الرئيس،
في ختام رسالتي، أقترح عليكم، إن أردتم – فعلا – الاطلاع على أوضاع السكان، أن تبعدوا كل المظاهر الاحتفالية أو الكرنفالية عنكم، فليس المقام مقامها، وقد خدعت من قبلكم، وغالطته، وأخفت عنه الصورة، فاستفيدوا منه، فالعاقل من اتعظ بغيره.
سيدي الرئيس،
إن أقل وقت يكفيكم للاطلاع على حقيقة الأوضاع، أن تبقوا في الولاية أسبوعا، وأن تزوروا المناطق النائية، والتجمعات المعزولة، والقرى المهمشة، وأن تحضروا الأسواق الأسبوعية المكتظة.
سيدي الرئيس،
هل ستسقط السماء على الأرض، لو استدعيتم وزراءكم في ختام الزيارة، وعقدتم اجتماع الحكومة في النعمة، وقدمتم لكل وزير واجبه تجاه السكان، بناء على اطلاعكم الميداني، وحددتم له ظرفا زمنيا لإكماله.
إنه أمر سهل، سيكون له انعكاسه السريع على واقع هذه الحياة في هذه الولاية التي عايشت التهميش، والعزلة لآماد متطاولة، وآن الأوان لأن تجد التفالة من الدولة، وأن يحس سكانها أن مواطنون من أي درجة.
مرة أخرى، أقدر لكم صبركم، وأشكر لكم مبادرتكم بالزيارة، وآمل أن تجد رسالة من عنايتكم ما تستحق.
مريم سيد الامين مستشارة بالمجلس الجهوي للحوض الشرقي