على الرغم من شساعة منطقة الساحل الإفريقي وموقعها المحوري، فقد ظلت ولعقود طويلة، تعيش على هامش التاريخ، ولم تكن تستأثر بأي اهتمام دولي أو إقليمي واسع، فهي تعتبر تقليديا منطقة عبور ومسالك تجارية للقوافل والتجارة و العبيد.
بيد أن القيمة الإستراتيجية للمنطقة قد تغيرت بشكل جذري في السنوات الأخيرة، حيث أخذت تشد وتسترعي انتباه العالم الخارجي نظرا إلى مجموعة من الإعتبارات التي جعلتها تخرج من دائرة التهميش واللامبالات إلى دائرة الاهتمام اللافت، وهي الإعتبارات التي تمثلت بالإرهاب، والجريمة المنظمة، والاكتشافات النفطية وما تزخر به المنطقة من ثروات طبيعية ومعدنية مهمة. وهي كلها معطيات دعمت بشكل قوي إدراج المنطقة ضمن قائمة الاهتمامات الخارجية للقوى الفاعلة، وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحده الأمريكية، والصين فرنسا الطرف المهيمن تاريخيا على المنطقة، والصين الطرف المهيمن علي المبادلات التجاريه والاستثماريه والولايات المتحدة الأمريكية الطرف المهيمن على الساحة الدولية، والساعي إلى إزاحة النفوذ الفرنسي الصيني منها بوصف المنطقة منطقة حيوية وواعدة اقتصاديا.
وتتمتع دول الساحل الإفريقي بأهمية جيوسياسيه خاصة في الاستراتيجيات الدولية بسبب تميزها بثرواتها الكبيرة ومواردها الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي المهم, ولم يكن هذا الأمر حديثاً ,فمنذ القدم اعمدت دول كبرى إلى السيطرة والنفوذ على هذه المنطقة المهمة خدمة لمصالحها الحيوية , إلا إن التطورات التي شهدها العالم بجوانبه كلها السياسية ,و الاقتصادية ,والعسكرية فضلاً عن الإحداث التي شهدتها المنطقة نفسها المتمثلة بالحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 والحرب على العراق عام 2003 دفعت بالمنطقة إلى قمة الاهتمامات للاستراتيجيات العالمية ,وأصبحت محوراً للتنافس الدولي بسبب ما تتمتع به من قيمة استراتيجية واقتصادية متميزة وبالصورة التي تجعلها ركيزة من ركائز التوازنات الدولية.
وفي ظل التنافس الدولي في القارة الإفريقية عامة ومنطقة الساحل الإفريقي بصفة خاصة، سعت الدول الكبرى خاصة فرنسا إلى إعادة بناء علاقتها مع دول المنطقة للحفاظ على مكانتها ونفوذها في مستعمراتها السابقة وذلك بالاعتماد على آليات جديدة ومتجسدة في دعم التنمية في المنطقة باعتبارها الوسيلة السلمية لحل الأزمات المستعصية وتحقيق السلم في المنطقة،و التدخل العسكري في معالجة المشاكل الأمنية والسياسية في المنطقه
وعرفت المنطقه الكثير من التهديدات الأمنية في ظل تصاعد نشاط الجماعات الإرهابية في بعض دول المنطقة ، فضلا عن تحديات وتهديدات مشتركة تفرض نفسها على دول منطقة الساحل الأفريقي عامة ومالي خاصة هذا ما فرض على دول المنطقة وموريتانيا خاصه على ضرورة العمل في إطار وطني وإقليمي للإيجاد آليات وميكانيزمات و استراتيجيات مشتركة لمواجهة هذه التهديدات واحتوائها وعيا منها بشمولية الأمن في المنطقة وفقا لطروحات مدرسة كوبنهاجن ، ودرجة خطورة وتعقد التهديدات الأمنية فيها لأن الادراك المشترك للتهديد من طرف أطراف الإقليم حسب “کارل دوتش وشعورهم بصعوبة التحرك الانفرادي لمواجهة هذه التهديدات يولد لديهم الإحساس والشعور بالانتماء الإقليم أمني واحد.
وإدراكا منها- أي دول الساحل الأفريقي – وعلى رأسها موريتانيا بالمسؤولية المشتركة لكل دول المنطقة لمواجهة هذه التهديدات الأمنية الناجمة عن نشاط الحركات الإرهابية التي اندمجت مع بعض الاثنيات مما انعكس على استقرار هذه الدول مما استدعى ضرورة تعزيز سبل العمل الجماعي والتنسيق الإقليمي في إطار التنظيمات الجهوية والإقليمية التي كانت قائمة من خلال إعادة تأهيلها وتكييفها مؤسساتيا وقانونيا، والعمل على خلق آليات ومؤسسات جديدة تعمل على تطبيق سياسات واستراتيجيات أمنية مشتركة لمواجهة إفرازات التحولات في مفهوم الأمن ، والسعي لبناء السلم من جهة أخرى كون وحدة التهدیدات تدفع بقوة نحو الشراكة الأمنية الإقليمية ، ومن ثم بناء السلم بالمنطقة ، ولهذه الأسباب تم تأسيس هيئة الساحل الإفريقي 17/02/2014في انواكشوط
تشكل منطقة الساحل الأفريقي أحد المجالات الجيوسياسية التي تثير اهتمام الفواعل الإقليمية والدولية، ومراكز البحوث والدراسات في الوقت الحالي، على خلاف ما كانت عليه قبل حقبة الحرب الباردة حيث كانت منطقة مهمشة استراتيجيا واقتصاديا وسياسيا… إلخ.
وأصبحت المعادله الامنيه الصعبة في الأجندات الحكومية، لما شهده العالم من تحولات كبيرة أثرت على أمن واستقرار الكثير من الدول، بسبب بروز تهدیدات لم تكن لها فعالية من قبل في ظل هيمنة التهديدات التماثلية التي مصدرها القوة العسكرية للدول، وتعددت بتعدد مصادرها، وهو ما جعل الأمن بمفهومه التقليدي الضيق عاجزا عن محاربة التهديدات اللاتماثلية، وبذلك تم التوسع في مفهوم الأمن ليشمل مجالات جديدة هي في حد ذاتها مصادر للتهديد، ومع التحولات التي جاء بها الربيع العربي زادت حدة وخطورة التهديدات الإقليمية، ولأول مرة و أصبح الأمن القومي الموريتاني مهددا من الخارج، وبطرق مباشرة وغير مباشرة، وعلى مستوى كل الحدود تقريبا، وبنسب متفاوتة، خاصة في ظل تأزم وتفاقم الأوضاع الأمنية في دول الجوار، والذي يرجع لعاملين الأول الفشل الدولاتي في دول الساحل الإفريقي، والثاني سقوط الأنظمة السياسية في كل من مالي وليبيا والانفلات الأمني في نيجر وبوركينافاسو، وما يترتب عن ذلك من آثار جد سلبية على الأمن الوطني الموريتاني.
وفي هذا الإطار فإن العقيدة الأمنية على العموم تمد الفاعلين الأمنيين في الدولة بإطارنظري متناسق من الأفكاريساعد على تحقيق أهداف الدولة ومجال أمنها القومي
وتستمد العقيدة الأمنية الموريتانيه توجهها العام من المبادئ العامة المستمدة من ركائز عدم التدخل في شؤون الآخرين، وهوما لاحظناه في التحرك الموريتاني حيال الأزمة الماليه التي أنتجت حرب أدت إلى تغيير طبيعة النظام بدعم من ايادي خارجيه، وهي الرؤية التي تجد لها ركائز قانونية ودستورية تحدد المهام الأساسية لأجهزة الأمن الموريتانيه التي تنحصر مهامها في حماية وصون سيادة الدولة وحدودها
تتحرك الدبلوماسية الموريتانيه في فضائها الجيوسياسي الإفريقي وهي تدرك أنها تعيش في ساحل من الأزمات الممتدة على حدود تتجاوز 6343 كلم، وهذا الساحل الأزماتي، يرتبط بعدد من المعضلات الأمنية أهمها 5 معضلات كبرى تتمثل أساسا في:
– صعوبة بناء الدولة في هذه المنطقة – ضعف في الهوية وتنامي الصراعات الإثنية – البنى الاقتصادية الهشة “وهو ما سيشكل تهديدات صلبة ولينة يمكن تصديرها لموريتان– ضعف الأداء السياسي؛ وانتشارلجميع أشكال الجريمة وأنواع الأشكال العنف البنيوي.
إن عين موريتان على استقرارها وهي التي خاضت حرب استنزافية ضد ما يسمی بالإرهاب ، وعينها الثانية على التحرك الإفريقي ذو البني السياسية والاقتصادية الهشة والتي تشكل ما من شأنه نقل جميع أنواع الفشل الأزموي والدولتي عبر الحدود مما يعني تهديد الأمن الموريتاني
تعتبر منطقة الساحل بمنزلة الحزام الأمني لموريتان، لما تشكله من عمق جيواستراتيجي وتهديدات أمنية لاستقرار الأمن الوطني. ويعد الشريط الساحلي الصحراوي قضية حيوية للأمن القومي الموريتاني، نظرا إلى المميزات الخاصة التي تطبع المنطقة وتحديدا في ما يرتبط بفشل الدول وهشاشة نظامها من جهة، يضاف إليها شساعة الرقعة الجغرافية للمنطقة الصحراوية؛ ما يصعب على دول الساحل ضبط الاستقرار الأمني وتحقيق الإشباع والتماسك الاجتماعيين لتجسيد المشاريع التنموية. وتعتبر جملة هذه المميزات بمنزلة التحديات والتهديدات الأمنية الكبرى للأمن الوطني وهو الأمر الذي يطرح مجموعة من المشاريع الوطنية والإقليمية
وفي الاخير مانعيشه اليوم في عالم يبدوا للوهلة الأولى انه متجانس وهادئ تحت المظلة الأمريكية، إلا انه في حقيقة الأمر ملئ بالنزاعات والصراع بين لاعبين جدد ، حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد هي القطب الوحيد المهيمن على العالم ، فقد ظهرت عدة قوى منافسة كروسيا والصين وفرنسا وكذلك ألمانيا، جعلت من النظام العالمي يتجه نحو تعدد الأقطاب، هذه المنافسة لم تخدم الولايات المتحدة الأمريكية التي دخلت في حرب باردة جديدة حول مناطق النفوذ والمجال الحيوي في العالم لمحاصرة هذه القوى الجديدة والانفراد بالزعامة في العالم . هذا التنافس مس جميع المناطق الحساسة في العالم ومن بينها المنطقة الساحل التي مع بداية الألفية الثالثة تحولت إلى ساحة صراع سياسي واقتصادي مكشوف وأكثر حدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا . هذه الحرب الصامتة بين القوتين بدأت منذ الزحف الهادئ للولايات المتحدة الأمريكية نحو المنطقة الساحل الافريقي التي أصبحت بمثابة خليج القارة الإفريقية لما فيها من ثروات باطنية لم يستثمر الكثير منها .