كثيرا ما لفت انتباهي تفاوت مردودية المدرس في كل من التعليمين الخصوصي و العمومي، خاصة إن كان المدرس هو نفسه في كليهما.
وأحاول في كل مرة أن أجد أسبابا ومبررات وجيهة لأعلل هذا التفاوت في الأداء.
وهو استنتاج إن حصل، يمكن من الاهتداء لمكامن القوة في التعليم الخاص يفيدنا أكثر في تعليمنا العمومي، وينعكس - في النهاية - أيجابا على مردوديته التي وصلت الحضيض.
ولعل أهم ما يختص به التعليم الخصوصي ودفعه ليحتل الصدارة هو تلك الجدية والمتابعة اللتان يفتقدهما في أحايين كثيرة تعليمنا العام.
مبدآن يمكن توافرهما، لو استشعر كل مدرس في التعليم العام عظم المسؤولية والأمانة الملقاة على عاتقه، وتجذرت في نفسه بأن تصبح قناعة شخصية لديه، من مؤشراتها أن يكون على مستوى التحديات ويقدم أحسن ما لديه بدافع رقابة ذاتية، دون أن يربط ذلك برقابة أو إشراف خارجي من مدير أو مشرف تربوي.
وتلك - للأسف- هي السمة الغالبة لمعظم مدرسينا، وقد سميته مرة "بالرياء الوظيفي"
والمتمثل في أن بعض المدرسين عندما يكونون أمام متابعة أو إشراف، يحاولون أن يجتهدوا ويقدموا أفضل ما لديهم - وإن كان هذا هو شأن معظم موظفينا - وهو ما لم يكن ليحدث لو لم يكن ذلك في الحسبان، بل ويحل محله التكاسل و الخمول وعدم الاندفاع وتواضع ما يقدم من إنتاج،.
وهذا خطأ مهني جسيم يجب تفاديه بالصدقية مع أنفسنا ووطننا وأمانتنا الدينية.
ونظرا لديمومة تلك الرقابة الخارجية في التعليم الخصوصي؛ ظهر البون شاسعا بين الأداءين في كل من التعليمين.
صحيح أن أعداد التلاميذ في الفصل الخصوصي أقل بكثير من تلك الموجودة في التعليم العام وتلك مزية، لكن بالمقابل هناك مزايا مقابلة تشفع للتعليم العام قبل الخاص وهي جودة التهوية وغياب البعد المادي الذي يستشعره معظم تلاميذ التعليم الخاص، حين يربطون ما يحصلون عليه من معارف ومهارات مقابل ما يدفعون من رسوم، وهو شعور ينسف العملية التربوية برمتها بل ويفقدها ألقها وقداستها.
ولإن أخطأ بعض أهل التعليم في أداء الواجب، فإن الخطأ الأكبر يقع على عاتق الدولة، حين منحت متشئي العقول وصناع الأجيال رواتب زهيدة لاتغطي سوى القليل من حاجياتهم المتشعبة في ظل عولمة جارفة لاترحم.
وهو السبب ذاته، الذي دفعهم مضطرين، إلى القيام بتلك الأعمال الموازية المانعة لهم من التفرغ لتلك المهمة الأصلية التي اكتتبوا لأجلها.
إن الدولة حين تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية تجاه المدرس بشكل مجز ويتفرغ هو لواجباته مستشعرا مسؤولياته، حين ذاك ووقت ذاك فقط، سيأخذ التعليم العام زمام المبادرة، في الطريق إلى المدرسة الجمهورية ويصبح بيئة جاذبة وأداؤها مقنع.
وتكون محصلة ذلك موجات نزوح جماعية غير مسبوقة تجاهها، سيما إن علمت أن أغلب مرتادي المدارس الخاصة من الطبقة المتوسطة المكرهين على ذلك رغم محدودية دخلهم وإجحاف تلك الرسوم المدرسية بإمكاناتهم المادية، لكن ما باليد حيلة، في ظل واقع تعليم عمومي متدن.
ولعل ما نطمح إليه في هذا الاتجاه، هو ماظهرت بوادره في خطاب معالي الوزير الأول أثناء تقديمه برنامج حكومتة، أمام غرفة البرلمان الموقرة، والتي وعد فيها بتشكيل لجان ستعكف على خطة من شأنها رفع رواتب موظفي قطاعي الصحة والتعليم مطلع السنة القادمة. الشيء الذي إن حدث وكان على مستوى التطلعات، سيشكل بداية حقيقية وفعلية لطريق ممهد نحو مدرستنا الجمهورية الموعودة.