منذ أزيد من عام والمجتمع يراقب وينتظر حل مشاكله المتفاقمة والمزمنة، البعض يحلل أسباب وموانع الحل ودوافعه والبعض يلاحظ عقباته، والكل يطالب بإزالة تلك الموانع وتذليل الصعوبات لتخفيف وطأة البؤس والعوز عن كثير من المواطنين الذين غلب عليهم الصبر وتجملوا بالمسامحة و الإعذار..
كانت الفترة الماضية شديدة الوطأة على جيش من المعدمين ومنهم على شاكلتهم ممن لا يجدون قوت اليوم إن لم يعملوا بالأمس بالرغم من تولي بعض المحسنين في كثير من الأحيان توفير المياه لهم خاصة من يقطنون في أحزمة نواكشوط الشرقية والشرقية الجنوبية والشمالية، فقد انتظر الجميع قيام الدولة بالالتفات إليهم في معاشهم اليومي بشكل مباشر بتوفير قدر من المساعدة المادية للعجزة وأصحاب الإعاقة منهم، أو بصفة غير مباشرة للبقية سواء بخفض تسعرة الوقود عن سائقي التاكسي و "تكتك" رحمة بهم وبعائلاتهم، وعليه خفض سعر الأجرة والكهرباء عن الجميع حتى تعم الفائدة لبقية الضعفاء، و بتوسعة التغطية الصحية لتشمل من لا راتب شهريا له ولا مهنة ينتمي إليها وفي كثير من الأحيان لا منزل من الاسمنت ولو كان غير مسلح يؤويه..
بعد ستين عاما من المشاريع والاستراتجيات، والخطط الاستعجالية، والبرامج الاجتماعية لا تزال أعداد هائلة من المواطنين تصعُب على العد، تشُد الأحزمة وتكتفي بالأمل وتكثر من الدعاء، تترقب وتراقب وتئن في صمت وتتألم بتبسم، تسمع بالمليارات تُعد وتنفَق للتخفيف من بؤسها في حين لم تجاوز تلك المليارات مسامعها؛ حيث يصعب عليها تحصيل قوت يومها، وتوفير يسير علاجها و جليله، كأنهم عابروا سبيل في طريق قل محسنوه..
بعد محاولات سابقة لتناول جوانب مختلفة من الشأن العام ارتأيت أن الخلل فيها كبير، وأن التنبيه عليه ومعالجته ستخفف من واقع وُلد فيه كثير من شعبنا وتربى وربى فيه أبناءه بلا مساعدة اجتماعية مؤثرة، ولا ضمانة صحية مُخفِّفَة، ولا رعاية تعليمية صارمة، ودون أن يكون هناك أفق فعلي لتجاوز ما نعيشه وبناء إنسان سوي يجد في وطنه ضروري ما يحتاجه، نجد أنفسنا الآن أمام وضعية تحتاج لتأمل وإعادة نظر في المنحدر الذي نسير فيه بسرعة ونحن مطأطئي الرؤوس، فزخات مطر قليلة أتت على سراب البنية التحية، ومليارات المساعدات الاجتماعية لم يجد منها مُعوز ما يعيله شهرا واحدا، ووضعية الصحة والتعليم مزرية بشهادة من يقدمها ومن تقدم له..، وكل هذا نتيجة لتراكم الأخطاء وسوء التسيير والتدبير وعدم فاعلية الجهاز الحكومي وترهله..
وفي ظل وضعية يجمع الطيف السياسي في البلد أو يكاد على أنها مختلفة، وأن بوادر الانفراج بدأت، وأن اليُسر يكاد أن يصل بعد طول عُسر، فإني أود أن أكتب من خلال " الصابرون" عن ثلاث فئات من مجتمعنا علها تحظى باهتمام رأس الدولة، وذلك لوضعها الاقتصادي الصعب ولإيجابيتها في التعاطي مع الواقع الذي تعيشه، وهي:
العمال اليدويون
العمال غير الدائمون
المنقبون عن الذهب
هؤلاء الذين صبروا على الحرمان وقلة ذات اليد، وأعذروا من تولوا تيسير شؤون بلدهم في ضعف حصيلة ما أنجز، وشجعوا كل دعوة -ولو كانت غير صادقة- للبناء والتنمية والإصلاح، ووافقوا على كل طلب للصفح والتجاوز، واتكلوا على الله وحده وانتشروا في الأرض يبتغون من فضله، دون نصير ولا كفيل من حكوماتهم المتعاقبة بل ولا حتى تركوا في حال سبيلهم..؛ إذ لم يُؤَمنوا صحيا ولا اجتماعيا ولم تخفف عنهم تسعرة الكهرباء ولا الماء -إلا ما كان من شهري 4-5 موضعي التنازع- ولا أعفوا من المكوس والضرائب...
وسأحاول إن شاء الله تناول كل فئة في مقال منفرد حتى تتضح الصورة أكثر ويتبين الواقع الذي تعيشه كل مجموعة على حدة والتحديات التي تواجهها "عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِه"، فتنفرج كل الهموم...