قبل أيام وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين اتفاقا للتطبيع مع إسرائيل، وذلك في البيت الأبيض برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، وهي اتفاقية تطبيعية بين ثاثلوث الإصرار على تطبيق بنود صفقة القرن التي تصفي القضية الفلسطينية ، وإن وصف الأحمق الحدث بأنه "يوم غير عادي للعالم ، سيضع التاريخ في مسار جديد"سماه " فجر شرق أوسط جديد " – ولكن الحمد لله على تفاهة القائل ."
ويمثل هذا الاتفاق ثالث اتفاق للتطبيع بين إسرائيل والدول العربية منذ إعلان دولة إسرائيل عام 1948. إذ كانت مصر قد وقعت أول اتفاق ثنائي مع إسرائيل عام 1979 ، تلتها الأردن عام 1994.
من صدف الأحداث أنه قبل أسابيع أرسل إلي الأستاذ العروبي أحمد سالم عبد الجليل ، ذكره الله بخير ، مقطع فيديو يتحدث فيه أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية والتاريخ المعاصر في عدة جامعات عربية د / عبد الرحمن العصيلي ، ولعل في إرسال الفيديو ، نوع من التنبؤ بما سيقع ، فضلا عن نكئه جراح الماضي وعذابات الحاضر المستعرة ، وقد ظهر الدكتور وهو يذكر حاضريه بنتائج مؤتمر دعا إليه رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بنرمان (Campbell Bannerman Henry)، سنة 1907 ، وهو المؤتمر الذي جاء في توصياته : " إن إقامة حاجز بشري قوي وغريب على الجسر البري الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ، ويربطهما معاً بالبحر الأبيض المتوسط ، بحيث يشكل - في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس- قوة عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها ؛ هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة".
وبالرغم من التشكيك القائم في صحة مخرجات هذا المؤتمر إلا إن وثائق وكتابات تشير إلى مضامين وسياقات قريبة أو داعمة لمعطيات وثيقة كامبل بنرمان ، فعندما التقى مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل برئيس الوزراء البريطاني جوزيف تشمبرلن سنة 1902، قال له هرتزل: إن قاعدتنا يجب أن تكون في فلسطين التي يمكن أن تكون "دولة حاجزة" بحيث تؤمن المصالح البريطانية .
وقد تتبع الخبير في الدراسات السياسية والاستيراتيجية محسن صالح حقيقية
هذه الوثيقة التي رجع إليها العشرات من الكتاب والباحثين منذ أواسط القرن العشرين، والتي يعدونها أساساً لفهم خلفيات إنشاء مشروع يهودي صهيوني في فلسطين لدى القوى الإمبريالية الغربية؛ قائلا أنها أصبحت أقرب إلى "الأحجية" لعدم وجود مصدر علمي موّثق، يمكن الاعتماد عليه وفق مناهج البحث العلمي .
وهذا يعني وفق الوثيقة أن "خبراء الغرب" وجدوا في إنشاء كيان غريب (هو الكيان اليهودي الصهيوني لاحقاً) في غربي البحرالأبيض المتوسط (وخصوصاً فلسطين) وسيلة لإيجاد قلعة متقدمة ترعى المصالح الغربية، وتضمن ضعف المنطقة وتمنع وحدتها، وهو ما حدث ويحدث فعلاً بغض النظر عن صحة الوثيقة أو زيفها.
ا
من كبوة الثلاثي " المطبع " وتنكيس رايات النضال في الشارعين العربي والإسلامي ، يمكننا أن نقول إن بوصلة تحرير القدس تحولت إلى الأفارقة " كلاميا على الأقل " ، إذ أن الوصاية العربية على القرار الفلسطيني انتهت منذ نصف قرن وآلت إلى الضياع ، بعد أصبح صوت حكام العرب منخفضا وخافتا ، بل إن بعضهم يساير صفقات تركيع المنطقة باعتباره شريكا وعميلا " صنعه الآمريكان والإسرائليون " .
في العام 2009 قال ملك البحرين خلال زيارة له لمؤسسة يهودية في آمريكا : " نحن العرب لم نفعل ما فيه الكفاية للتواصل مباشرة مع إسرائيل ، وأنا أتمنى أن يختار عدد كبيرمنكم المجيء إلى البحرين فلدينا أرض مخصصة لكم ولمن يعود منكم ، إنكم موضع ترحيب مثل مواطنينا " .
هنا لم يدرك هذا الملك المسكين أنه بكلامه هذا يعيد إلى الأذهان والضمائر العربية الحية مجزرة 9 أبريل/ نيسان 1948 التي غرقت فيها قرية : " دير ياسين "غرب القدس في بحر من الدم بمذبحة بشعة نفذتها عصابات صهيونية بخذلان من الانتداب البريطاني في حينه.
حقا ما قرأ لشاعر شنقيط أحمدو عبد القادر :
دير ياسين ما نسينا دمانا ====== في ربانا تدوسها النظراتُ
دير ياسين ما نسينا عظاما ======== نسفتها الرياح والهبوات
جرحتنا مخالب الدهر يوما ======= وتلاقى على ربانا الغزاة
واعتمدنا على سوانا زمانا =======وألهتْنا الدموع والحسرات ..
في كل حقبة من تاريخ الأمة الإسلامية والعربية يكشف لنا الزمن عن حقيقة اليهود ومكائدهم تجاه أرض 80% من آثارها إسلامية ، و18% آثار مسيحية ، بينما 2% منها كنعانية ، فهم لن يجدوا بحفرياتهم الغاشمة أي أثر يربطهم بها ، لأن الصهاينة ليس لهم في هذه الأماكن المقدسة رصيد ، فقد استمر فيها الكنعانيون حتى مجيء صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه سنة 15 للهجرة ، وفتح القدس أمام المسلمين ليقيموا فيها بطريقة شرعية وقانونية .
فهل يمكن طمس التاريخ - رغم تخاذل حكام العرب - بقرار صادر عن أحمق ( دونالد ترامب ) في القرن الواحد والعشرين ، أعطى بموجبه مالا يملك لمن لا يستحق ، على غرار وعد " بلفور1917 " وإن اختلف الوضع الجيوسياسي في المنطقة نتيجة الحراك الإسلامي وردود الفعل الدولية و ماصاحبها من انتفاضات على امتداد العالمين العربي والإسلامي ، ركلت الشعوب العربية الأبية فيها على مر التاريخ اتفاقيات الخنوع التي وقعها طغاة العرب ، فقد مضى على اتفاقية " كامب ديفيد " أكثر من 40 عاما ، وأزيد من 50 سنة على حرب الأيام الستة ، ومع ذلك لا يوجد مصري شريف يفكر بالذهاب إلى دولة العدو الصهيوني " إسرائيل " لأن شعار أحرار العالم اليوم : ( لن نعترف بإسرائيل ) .
فلسطين بعد الثورات وفي ظل موجة التطبيع هذه غير المستغربة قد صارت أقرب إلى التحرير بكثير منها قبل ذلك بإذن الله تعالى ، فهي مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي الأرض المقدسة التي بارك الله حولها ، أهلها لايراهنون على المقاومة الافتراضية المسلحة بالقذائف الفيسبوكية ، والذخائر " تويترية " . فمحورية القدس وأهمية قضية تحرير الأقصى ودور العرب في بناء الأمة سابق على اقتتالهم وصراعاتهم " المحركة " لأن الخيانة لسيت وجهة نظر ، والعقيدة لا تزول بقرار سياسي .
ولعل هذا يكون مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة"، فتكون هذه التجاذبات مقدمة لعودة خلافة راشدة توحد المسلمين وتؤكد على أن القدس هي العاصمة الروحية لهم .
.