الذين يتحدثون عن نواكشوط العاصمة السياسية لموريتانيا بأنها ليست ذات أفق ولا مستقبل، هم معادون لمبادئ الوطنية، ويتقولون بما لا يعلمون، حيث أنهم لم يجروا دراسة هندسية ذات أسس علمية تدعم ما ذهبوا إليه.
فأغلب المدن بنيت على البحار، وأكبر المشاريع عومت فوق الماء (منها مطارات بنيت فوق البحر)، ومدينتنا تتمتع بعديد الميزات الإيجابية التي تجعلها تستفيد من موقعها الجغرافي ومناخها المعتدل، ولا ينقصها سوى تجديد البنية التحتية، وتوسيعها.
فوسط العاصمة أي ما يسمى بكابيتال (يضم أحياء كبيرة) كانت لديه شبكة صرف صحي تمتد حتى مقاطعة لكصر، كما أنه تمتع في السابق بشبكة مياه تابعة للحماية المدنية، فسكان نواكشوط الأوائل يتذكرون أن في كل شارع كانت توجد حنفية جاهزة في حالة شب حريق، كان يكفي تركيب خرطوم المياه من قبل عناصر الحماية المدنية وإخماده.
إن المنظومة الصحية البنيوية تم إهمالها بالكامل منذ نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينات، وكل ما تم القيام به حتى 2019 هو مشاريع تفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية والاستشرافية وتكتفي لتكون حلولا لحظية وهمية.
كما أن صرف مياه الأمطار ليس هو الصرف الصحي، فلا يمكن استغباء شعب بالكامل، فمنذ مشروع صرف مياه الأمطار ذو الغلاف المالي الضخم في فترة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز والذي لم يعمم على العاصمة بل صرف أمطار خريف واحد عند أحياء معدودة، وبطريقة تقليدية ومشينة بمظهر المدينة، وحين اكتمل المشروع سقط في أول اختبار له خلال موسم الأمطار هذا مما جعل السلطات الوطنية تنظر بشكل واقعي إلى ضرورة وجود مخطط استراتيجي لبناء شبكة صرف صحي وصرف مياه الأمطار ذات انعكاس على المدى البعيد بل وأكثر استدامة وقابلية للتحديث.
ومن حسن حظ موريتانيا انتخابها لرئيس جمهورية حمل على عاتقه تغيير واقع هذا الوطن، ونقله إلى محطات أكثر تقدما وازدهارا ولديه حكومة كفاءات بقيادة وزير أول مهندس، قام باختيار أعضاء حكومته بعناية فائقة، وبحسب القدرات والخبرات، وتم تعيين وزير لحقيبة المياه والصرف الصحي من صفوف المهندسين ذوي الإرادة والوطنية، وبجعبته ما يقدمه للقطاع من خبرة وصرامة ويعول عليه المواطنون في تقديم الحل لمشكل الصرف الصحي، والذي لم تثنه المشاكل الكبيرة التاريخية التي يعاني منها قطاع المياه، فرغم ما يشهده المواطن من ندرة في الماء ومشاكل في التمديدات، فقد بدأت بالفعل وزارة المياه والصرف الصحي تقوم بكل الجهود الرامية إلى التغلب على ظاهرة العطش بشكل نهائي على عموم التراب الوطني وخاصة في المجال الريفي.
ولقد تحولت البلاد وخصوصا العاصمة منذ تولي رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني دفة القيادة إلى ورشة كبيرة لتطوير وتحديث البنية التحتية وتفعيل الخدمات الأساسية، وبناء دولة القانون والتمكين للشفافية والحكامة، ولعل برنامج الإقلاع الاقتصادي أحد الحلول المثلى ذو الخطة قريبة المدى للإنجاز، سيقوم بدفع الاقتصاد الوطني أشواطا إلا الأمام وخصوصا في شقه الذي يتعلق بالبنية التحتية، حيث يتضمن بناء طرق سريعة حول مدينة نواكشوط، وعشرة جسور وكوبريات داخل المدينة لتخفيف الزحمة وحركة السير على الشوارع الرئيسية للمدينة فضلا عن عديد المشاريع الأخرى ذات المردودية الإيجابية الهائلة.
وليس هناك سبب وجيه يجعل بعض الكتاب على مواقع التواصل الاجتماعي يعبرون عن ضرورة تغيير موقع العاصمة، بل أرى شخصيا أن مثل هذه المطالب تعتبر في خانة التأثير الخطير على صورة البلد، داخليا وخارجيا، لما لها من تأثير سلبي على طرد الاستثمار وتشجيع العزوف عن البذل في مجال السياحة، كما أن لمطالب غيير موقع العاصمة خدمة لأهداف خارجية لا تفوتنا، الأوجه هو أن ما عليه عاصمة عاصمة البلاد، فتية ذات موقع استراتيجي ومناخ معتدل أغلب أوقات العام، ولها إطلالة استراتيجية على الأطلسي لا يعوض، وذات قرب متوسط من مجرى نهر صنهاجة جنوبا، مما يجعلها ذات موقع استراتيجي لعاصمة سياسية ذات نشاط اقتصادي واجتماعي وثقافي هائل بين جمعها بين إفريقيا والعالم العربي.