في السابق كانت مدينة روصو عاصمة الترارزة عاصمة اقتصادية بالمعنى الحقيقي، فيها تتم أكبر التبادلات التجارية وتربط بين شمال وغرب القارة الإفريقية، ولكن مع العقد الثالث لبناء الدولة المركزية تم احتسابها على جهة من السياسيين، تم تحويل الاستثمار والدعم الموجه للمنطقة الاستراتيجية، إلى جيوب أشخاص وزعامات تقليدية مسيطرة منذ الأزل، وتهالكت المشروعات وبارت الحقول ونمت التيفا في مجاري وخلجان النهر مصدر المياه الرئيسي.
ومن ذلك اليوم بدأ نسيان المنطقة، بل وتناسيها بشكل منظم، باعتبار الزراعة عملا غير مجد في ظلم صريح لمستقبل أجيال الوطن، وتدنيسا للمصلحة العليا، فأغلب المشاريع الاستراتيجية التي تم القيام بها في المدينة تعود إلى عهد الرئيس المؤسس المختار ولد داداه.
ورغم أن المدينة بامكاناتها الفريدة بإمكانها قيادة نهضة اقتصادية وزراعية قائمة على الموقع المميز فإنها لم تستغل كما يجب، بل وتم الاستغناء عن قدراتها ومقدراتها الطبيعية.
إن أغلبية الخبراء الأجانب الذين يزورونها يؤكدون أن بامكانها رفقة جميع المدن الجنوبية المطلة على نهر صنهاجة أن تكون سلة غذاء للعالم العربي بعد تأمين الاكتفاء الذاتي.
فالأرز الموريتاني ينافس أجود الأنواع من حيث الجودة، كما أنه يزرع عدة مرات في العام بخلاف العالم الآخر والسر في ذلك هو المناخ المعتدل الذي لا ينخفض شتاء عن 13 درجة، كذلك تنوع أنواع التربة هناك في شمامة يجعلها تنجح في مختلف أنواع الزراعات، وهو ما توصلت إليه الهيئة العربية للاستثمار والأنماء الزراعي والتي قامت بمسوح ودراسات وتجارب أثبتت نجاح زراعة أنواع الخضروات والفواكه والزيت النباتي.
ستون سنة من نسيان المنطقة وتهميشها، رغم أنها من بين المدن الأكثر خضرة والأحسن مناخا في البلاد، حيث تتموقع في مثل خصب ورطب بين المحيط الأطلسي من الغرب ونهر صنهاجة من الجنوب، ناهيك عن كونها المعبر الوحيد في المنطقة الذي يربط بين المغرب العربي وإفريقيا السمراء.
إن موريتانيا بحاجة ماسة للاستفادة من مختلف الموارد الطبيعية التي حباها الله بها من ثروات استخراجية وسمكية وزراعية، بالإضافة إلى أهمية الاستثمار في الرأس مال البشري الذي هو صمام أمان مستقبل الدول والشعوب.
ومن أجل الوصول إلى نهضة حقيقة لابد من إعادة التفكير بشكل جذري في الطرق الكفيلة بالنهوض بالتنمية الاقتصادية في المنطقة، وتطوير الزراعة والتأسيس لصناعة مرتبطة بها وذلك لن يتم إلا بإرادة سياسية قوية وهي متوفرة في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة والتي يعول عليها المواطنون أيما تعويل.
ومثلت البشرى التي قدمها رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في برنامجه الانتخابي، المجسد بشكل فني في برنامج حكومة معالي الوزير الأول السيد محمد ولد بلال، السبيل إلى البدء في تجسيد حلم الموريتانيين منذ الأوائل إلى اليوم في نهضة زراعية تغير الواقع الاقتصادي لمدن الجنوب لتسهم بدورها في ترقية مرتبة البلاد اقتصاديا بين شعوب المنطقة.
والأهم هو الجلوس مع مختلف الفاعلين الوطنيين والشركاء الخارجيين لبلورة حل غير تقليدي مواكب لما توصلت له الزراعة عالميا، من حيث التكنولوجيا والاستخدام الأمثل للمكننة الحديثة، ويجب أن يكون التفكير خارجا من صندوق التكرار والبناء على خطط قديمة وتقليدية لا تصلح لهذا الزمان، ولا تعكس الرؤى التطويرية لبرنامج رئيس الجمهورية.