تجربة التعايش مع كوفيد19.. دروس للمستقبل / أبو بكر الإمام

شكلت جائحة فيروس كورونا (كوفيد19) صدمة للمنظومة الصحية العالمية، إذ وقفت عاجزة أمام إنتاج دواء لعلاج المرضى ووقف تفشي المرض الذي أودى بحياة نحو مليون شخص حول العالم، لتفرض الجائحة بذلك ظروفا خاصة على الدول والمجتمعات والأفراد الذين باتوا ملزمين بتغييرات واسعة في أنماط عيشهم لتستجيب لمتطلبات الإجراءات الاحترازية للحد من مخاطر فيروس كورونا الصحية.
وعلى الرغم من المخلفات السلبية المتعددة لهذه الجائحة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، فإن لها انعكاسات أخرى إيجابية هامة جدا، خصوصا في ما يتعلق بتجربة التعايش التي فرضتها هذه الجائحة، فهي تجربة ستشكل دعامة أساسية في مواجهة أي جائحة أو ظروف مماثلة يشهدها العالم في المستقبل.
لا نعني هنا بالتعايش مع جائحة كورونا ملازمة المنزل استجابة للإجراءات التي تفرضها الحكومات، بل أكثر من ذلك كشفت الجائحة عن فرص جديدة باتت تتيحها التكنولوجيا أمام الإنسان في عصرنا الراهن وتمكنه من الاستمرار في نشاطاته الاقتصادية مع الاستغلال الأمثل للوقت والاقتصاد في صرف النقود.
وحتى لا نطيل هذا المقال سنقتصر على أمثلة سريعة من واقعنا الموريتاني:
1ـ تجربة الدراسة عن بعد: كانت تجربة الدراسة عن بعد اعتمادا على خدمة الإنترنت على موعد مع ظروف مواتية للاختبار أمام الجميع وخلال فترة طويلة طبعتها القرارات الحكومية الخاصة بتعليق الدراسة وحظر التجول ومنع التجمع، وهو ما عزز فرص انتشار هذه التجربة بما تتيحه من فوائد جمة، من بينها:
ـ ربح الوقت الذي يضيع داخل وسائل النقل وفي انتظارها
ـ المرونة في توقيت الحصص الدراسية
ـ تمكين فئات عمالية واسعة من متابعة دراستهم
ـ إلخ…
ورغم الضعف الشديد في خدمة الإنترنت، خصوصا في ولايات الداخل وحتى في الأحياء النائية من العاصمة نواكشوط، فإن بعض مؤسسات التعليم العالي العمومية بالإضافة إلى مؤسسات تعليم خصوصي عديدة تمكنت من متابعة الدراسة عبر الإنترنت من خلال تطبيقات الاتصال طيلة هذه الفترة، ووفرت بذلك خدمة هامة لزبائنها فضلا عن الأرباح التي تجنيها كمؤسسات من تقديم هذه الخدمة.
إن هذه التجربة التي أثبتت جائحة كوفيد2019، قابليتها للانتشار والتوسع وإمكانية الاستفادة منها خصوصا في ظروف كالتي نعيشها حاليا (تجمع مياه الأمطار في المؤسسات التعليمية أثناء موسم دراسي)، جديرة بأن تحظى بلفتة حكومية للتغلب على بعض الصعوبات المرتبطة بها وخصوصا على صعيد جودة خدمة الإنترنت في البلاد ودعم ولوج التلاميذ والطلاب لوسائط الاتصال.
2 ـ العمل عن بعد: إذا كان العديد من المهن يتطلب الحضور الميداني لورشة العمل فإن تجربة التعايش مع كوفيد19 مثلت مناسبة للكشف عن مدى اتساع قائمة أصحاب المهن القادرين على إنجاز الأعمال التي يكلفون بها دون الحضور الميداني اليومي.
وإذا كان تقليص العمال مقابل الاعتماد على مقدمي الخدمات دون عقد عمل رسمي قد بات منذ سنوات توجها لدى العديد من الشركات فإن تجربة التعايش مع كوفيد19 جعلت هذا التوجه يتعزز أكثر، كما أنها بالمقابل أسهمت في تشجيع العامل ومقدم الخدمة المستقل بجعله يكتشف كيف أن بيته يتسع لإقامة مكتب وورشة عمل.
3 ـ مواهب وقدرات: إلى جانب النموذجين آنفي الذكر، فإن تجربة التعايش مع جائحة كورونا كشفت أيضا عن مواهب هامة في الصناعة لدى الشباب الموريتاني، فقد صنع تلاميذ الثانوية الفنية بنواكشوط أجهزة نظافة مخصصة لغسل الأيدي أمام بوابات المؤسسات، كما صنع الصناع التقليديون معدات مماثلة شكلت كلها أمثلة من واقع التعايش مع جائحة كورونا وعززت الأمل في تحقيق صناعة محلية تستجيب لمتطلبات الحياة اليومية للإنسان الموريتاني.
إن تجربة التعايش هذه التي استمرت نحو أربعة أشهر فتحت آفاقا واسعة وقابلة للاستغلال بما يخدم انسيابية الحياة الاقتصادية والاجتماعية، هذا فضلا عن دورها في تعزيز القناعة الرسمية بضرورة الإسراع في العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء.. لكن كل ذلك يظل مرهونا بتحقيق جملة من المتطلبات التي تستدعي تدخلا ورعاية حكومية لضمان الدعم والتأطير والمواكبة الميدانية.

 

28. سبتمبر 2020 - 20:34

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا