إن حادثة تسَرب مادة اللغة العربية بسبب خطأ فني ساعات قبل موعد توزيعها على التلاميذ المشاركين في مسابقة ختم الدروس الابتدائية ودخول السنة الأولى إعدادية ما تسبب في إلغاء موضوع امتحانها بعد حوالي ساعتين من تسليم التلاميذ لأوراق إجاباتهم حول نفس الموضوع محل التسرب يجب أن يكون مناسبة يتحمل فيها معالي وزير التهذيب الوطني السيد ماء العينين ولد أييه مسؤوليته التاريخية والوطنية والوظيفية من خلال اتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير الوقائية من هذه المعضلة المزمنة التي تفسد من حين لأخر ثقة المجتمع في نزاهة وشفافية منظومتنا التربوية كما تفسد على الطلاب والتلاميذ لذة راحة البال بعد انجازهم للامتحان.
إن على أصحاب الضمائر أن يشجبوا ويقفوا في وجه محاولة البعض تحريف توصيف ما حدث من تسَرب من خلال وضع عناوين مضللة تصفه بالتسريب وشتان مابين الأمرين فالأول حادث عرضي وخطاء بشري قد لا يخلو من تقصير أو رعونة بينما ينطوي الثاني على وجود نية سيئة مبيتة وهو ما لم يثبت بعد التحري وتتبع الوقائع في هذه الحادثة, وحتى لا يبدو الأمر كمحاولة لتبرير التسرب أحرى التسْريب فإنه لا وجه لتبرير الفداحة والوقاحة اللتين يتصفان بهما معا غير أنه وجب التنويه إلى خطورة أن يحمل السيئ صفة الأسوء سهوا أو عمدا.
إن إعادة صيغة شاملة لمنظومة الامتحانات والمسابقات الوطنية صارت ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى بعد التقاعس عن ذلك لعقود من الزمن تفريطا في الواجب وركونا للفساد الذي لم يعد له مكان في منظومة تنشد الإصلاح بل الإصلاح ركن أساسي في توجهها وإستراتجيتها فلا يعقل أن تسير عملية بحجم إحدى هذه المسابقات بطاقم بشري محدود العدد وغير مؤهل وغير محدد المسؤوليات كما أنه لم يعد من المناسب التغاضي عن هيمنة مديرية الامتحانات والمسابقات منفردة على جميع مراحل المسابقات وتركها وحيدة في معركة طاحنة متعددة الجبهات والخصوم بتالي يجب استحداث سلطة وطنية لتنظيم المسابقات, فإنشاء سلطة كهذه سيمكن من تطوير منظومة المسابقات والقضاء على البيروقراطية المتجذرة في مديرية الامتحانات التي شكل وجودها والصلاحيات الممنوحة لها وميادين تدخلاتها المتشعبة أحد أكبر عوائق محاولات فصل التعليم الأساسي عن الثانوي ما أفشل جميع تلك المحاولات وأنتج نفس الأخطاء وعالجها بنفس العقلية البائدة والنفس المتقطع كما سيشكل وجود سلطة وطنية لتنظيم المسابقات تجربة رائدة إن تم التمكين لها كقطب إداري شبه مستقل متعددة الأجهزة مع الحرص على أن تضم إضافة لجهازها الإداري جهازين منفصلين أحدهما علمي والأخر رقابي ويكون ذلك باختيار هيئة علمية أعضاءها محلفون مهمتهم اختيار المواضيع القادمة من شتى أصقاع الوطن ما سيسهم بشكل كبير في ضمان إعطاء فرصة للمدرسين المتميزين خبرة وأسلوبا في طرح المواضيع بتمكينهم من إبراز قدراتهم العلمية مع التخلص من سيطرة المنهجية والطرح الواحد واحتكار الشخص الواحد.
أما الجهاز الرقابي فمهمته ستتلخص في اختيار مشرف على مستوى كل مقاطعة ينسق عمل المراقبين الذين يتولون الرقابة والإشراف على سير الامتحانات داخل كل مركز ومنع وتصحيح أي اختلال في استقلالية عن لجنة المركز مع رفع التقارير وصلاحية سحب المراقبين.
إن جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق رئيس السلطة تفترض جملة من المعايير تساهم في حسن اختياره مع تحديد لمأموريته.
وسبيلا لضمان أداء رئيس المركز في مسابقة ختم الدروس الابتدائية للمهام المنوطة به يجب استحداث مساعد لرئيس المركز يساعد رئيس المركز ويتحمل معه المسؤولية.
وسيكون من المناسب إصدار مقرر جديد يحدد شروط افتتاح مراكز المسابقات ويحد من فوضوية توزيع المشاركين وذلك باقتصار مشاركة الأحرار على عواصم الولايات والنظاميين في مؤسساتهم الأصلية.
كما يجب الحرص على تعميم أفراد الأمن على جميع مراكز المسابقات مع استحداث تعويضات مالية لهم.
وفي الأخير لاشك في أن الوقائع السابقة تظهر لنا ضرورة تفعيل آلية أو وضع خطة بديلة في حالة حدوث تسرب أو تسريب تمكن من استبدال الموضوع المتسرب أو المسرب بقرار من الوزير أخذا في الحسبان استغلال التكنولوجيات الحديثة.