هل يجوز لنا الاستمرار في حراسة أبواب أوروبا؟! / التراد سيدي

تجري في عالمنا الكثير من الأمور الغريبة التي يصعب فهمها ومنها حراسة بلداننا المشددة لحدود أوروبا في وجه الباحثين عن العمل من إخوتنا الأفارقة بوصفه آخر أمل لهم للحياة الكريمة أو المقبولة على الأقل لأن مواطنينا ومواطني الكثير من دولنا الإفريقية لم يتوفر لهم العمل في بلادهم التي تركها المستعمر السابق في أوضاع لم تتمكن بسببها من النهوض والتقدم وتوفير شروط حياة مناسبة للأجيال التي فتحت عيونها في عالم متخلف بائس لا تتوفر فيه شروط حياة تزداد مطالبها وحاجاتها بالطراد.

إن الوضع الذي وجدت بلادنا وشقيقاتها الإفريقيات نفسها فيه هو نتيجة للحالة التي نالت فيها بلداننا استقلالها،فرغم الزمن الطويل الذي يمكن لو كانت الأمور عادية أن تكون كافية لتطوير وتغيير الأمور إلى الأحسن لكن ذلك لم يقع ليس لأن الأنظمة كلها فاسدة وضعيفة في الأداء وهي أحيانا كذلك وإنما لأن الأستعمار ترك البلدان في وضع غير مهيئ لبدء عمل مؤثر ومجدي إما بسبب ضعف تكوين الأطر الذين تسلموا السلطة وضعف مستواهم العلمي وضعف البنى التحتية المناسبة لمباشرة عمل التطوير والبناء كما أن الإمكانيات المالية الموروثة عن الأستعمار ضعيفة بسبب نهب الثروات المختلفة في كل الدول والمناطق طيلة عهد الاستعمار واستخدام كل ذلك النهب لبناء بلدان المستعمر دون استثمار جزء أساسي في البلد مصدر تلك الثروة.! لقد كانت هناك مرحلتان تعامل فيهما الاستعمار مع بلداننا وتجاوز فيهما الرجل الأوربي أنواع الاستغلال والاستعباد وجميع صنوف الفظاعات اتجاه شعوبنا !!

أولا: المرحلة الأولى كانت مرحلة الاتجار بالعبيد ونقلهم للعالم الجديد ابتداء من القرن ال١٦ عشر بعد اكتشاف إمريكا وتضمنت هذه المرحلة من أساليب الإجرام ما لا يمكن وصفه فقد تم خطف الألوف وعشرات الألوف وتجميعهم في أسوأ الظروف مقيدين يساقون بالسياط وشحنهم كالحيوانات مكدسين ومن مات منهم يلقى في البحر و تم بيعهم لمستعمرات الاربيين المقامة في أراضي القارة الأمريكية التي بدأ العمل فيها لإفناء وإبادة شعوبها الأصلية واحلال المهاجرين الجدد محلهم واستخدام أبناء قارتنا لزرع الأراضي ورعي الحيوانات خدمة لمخططهم في هذه البلاد.

ثانيا: بعد مئتي سنة من هذا العمل الفظيع الذي كان من نتائجه نقل الملايين من شعوبنا إلى الأمريكيتين الشمالية والجنوبية وأعداد كبيرة أخرى تركوا في البحار طعاما لحيتانها لأنهم ماتوا أو تمردوا وألقوا أنفسهم في البحر بعد كل هذه الأزمان وتغيرت الحاجة لاستخدام العبيد في المزارع وبعد التطورات الميكانيكية التي أوجدت الآلات وبعد حملة تحرير العبيد في إمريكا تم الاتفاق على إنهاء الاتجار بالعبيد واستعمالهم فكانت المرحلة الأخرى التي لاتقل وحشية ولا استغلالا مرحلة الاستعمار التي تضمنت السيطرة على بلدان القارة واستغلال ثرواتها المعدنية والحيوانية واخشابها وطاقة عمل إنسانها الذي استغل أكثر مما استغل كعبد. هاتين المرحلتين كانتا مرحلتي استخدام الإنسان الإفريقي والثروة الإفريقية لبناء أوروبا التي نراها اليوم.

إن بحث إنساننا اليوم عن العمل في القارة العجوز يبرره ماضي كل هذه العلاقة فهذه الجنان المقامة في أوروبا أقيمت بدماء وثروات وعضلات هذا الإنسان الباحث اليوم عن عمل يوفر له لقمة العيش أو موت يلحقه بأسلاف له ألقيت جثثهم في المحيطات أثناء نقلهم مقيدين لبيعهم وامتهان إنسانيتهم هل ما ذكرنا يعطي مبررا لسلطاتنا بمنع إنساننا الإفريقي من البحث عن العمل في أوربا؟ إذا كانت أوروبا تخاف من موجة فقراء تنغص عليهم سعادتهم في الجنان التي انشئت من ثروات هؤلاء البؤساء فهل علينا أن نكون عونا لهم؟ إذا كانت أوروبا تعلم أن نجمها آفل من قلة الولادات و تدهور حالتها الاجتماعية ويعلمون أن إنساننا الولود المتوثب للتطور سيكون معمر هذه الأرض التي بدأ إنسانها ينتهي دوره فهل علينا منع وقوع ذلك وحماية أوروبا لأوروبا؟

نتمنى أن يدرك مسؤولونا أن حراسة حدود أوربا مهمة بائسة لا تتوفر لها الحكمة والحصافة وتدل على تدني الوعي والإحساس بالمسؤولية التاريخية. إن الذي نطمع أن يعرفه المسؤولون أن أوروبا هي التي لم تترك في بلادنا وبلاد إفريقيا جميعها إلا ما عجزت عن حمله أو الذي ليست لها حاجة إليه بعد أن اشبعتنا استعبادا واسترقاق واحتلت بلادنا وسخرتنا بالشكل الذي ناسبها واستغلت أنواع الثروات التي كانت تزخر بها بلادنا وبنت بثروتنا وعضلاتنا حضارتها التي بلغت ما بلغت و بذالك تحولت بلادها لجنان متصلة بسعة أوروبا في الوقت الذي تركتنا بحال أسوء من الحال الذي كنا فيه قبل الأحتلال.. فلقد قامت بتدمير غابات كاملة على مستوى القارة باستعمال الأخشاب و بالاستغلال الفاحش للطبيعة لغرض الزراعة وغيرها وأفنيت برغم مزاعم المستعمرين بحرصهم على التوازن البيئي، قطعان كبيرة من المخلوقات وأصناف كثيرة من الحيوانات والوحوش التي كانت تعج بها جميع نواح هذه القارة التي نكبت باحتلال لايرحم وعندما حان رحيل المستعمر تركنا بلا طرق وبلا مصانع ولا بنى تحتية نعاني الفقر والمرض والجهل وإن القليل من البني الذي تركه الاستعمار هو الذي كان ضروريا لإقامته وخدمته أثناء وجوده!!!

إننا بالحالة التي تركنا بها الأستعمار والذي حرص قبل رحيله أن يسلمنا فيها غالبا لأيد يثق في أمانة تمسكها بعلاقات تبعية له تمكنه من متابعة استغلال مابقي من ثروات وماسيظهر منها في المستقبل و لجعلنا سوقا ثابتة دائمة لبضائع السيد السابق ! الطامع باستمرار السيادة ! بوجوه وصيغ جديدة تبدل مقامهم مسيطرين يستغلون عضلاتنا ويستنزفون خيراتنا بشكل مباشر بسيطرة أخرى مغلفة بمظهر سيادة مزيفة تستمر تمنع أي قدرة على التطوير للبلاد تطويرا يخفف حالة البؤس والفقر ويطور المقدرات !!

وفي هذه الحال وأمام شباب فتح عينيه في هذا الواقع البائس الذي لم يكن فيه من حل لنقص العمل وتأخر الزراعة ونقص الموارد مع الفقر المدقع لم يكن هناك في هذه الحال بد من التوجه للقارة التي تزخر بمختلف الفرص.

لم يكن من أمل إلا البحث عن مصدر للعمل و المساعدة على العيش في القارة العجوز التي بنيت وازدهرت بما نقل من ثروات هذه البلاد العاجزة اليوم عن سد حاجة شعوبها!؟ وعندما نعاني الفقر في بلادنا التي حولت ثرواتها إلى جنان نرنوا إليها بعيوننا ونسعى فقط لفرصة العمل في المصانع التي بنيت من ثرواتنا وقوة عضلاتنا..ألا يجوز ذلك؟وكيف لا تبحث أسر حاصرها الفقر وانعدام الفرص عن مصدر ينفعهم حيث نرى مؤهلون عاطلون عن العمل لا يجدون العمل ومزارعون مهرة لايجدون مجالا لاستخدام خبراتهم لتلبية حاجات أسرهم .. هذا الوضع لا يمكن معه استمرار سلطاتنا وسلطات إخوتنا في الجزائر والمغرب وتونس وليبيا جاعلين من أنفسهم حراسا لأبواب أوروبا حتى تتمتع السلطات الأوروبية دون تنغيص بمباهج الحياة الناجمة عن الاستيلاء على ثروات شعوب تركت لقدرها تعاني الفقر .. ويفرض على شبابها الموت عشرات بعد عشرات في المحيطات و في أعالي البحار سعيا للوصول عالم اقتنعوا أنه هو الأمل الوحيد لإنقاذهم مما هم فيه أو يموتون في البحر كما مات إخوة لهم من قبل مشحونون قسرا للبيع كعبيد من طرف نفس السادة الذين يريدون من سلطاتنا حمايتهم من أبناء المستعبدين أسلافهم والمنهوبة ثرواتهم !

فهل يمكن استمرار مثل هذا العمل غير المنطقي وغير الشريف ؟! إننا ندرك أن أوروبا مستعدة لدفع أثمان كبيرة في سبيل حماية حدودها من موجات المهاجرين التي تخافهم خوفها من كورونا وغيرها من الأوبئة لأنها تعلم هشاشة وضعها الثقافي والأجتماعي أمام موجات الهجرة المحتملة للأسباب التي أوضحنا.

ولو كان القيام بهذه المهمة القذرة مقبولا لكان مصدرا لأموال طائلة يمكن جنيها منه لأن أوربا مستعدة دون تردد لدفع كل ما يطلب منها..لهذا الغرض!! أما أن نقوم بالأمر مجانا كما هو الواقع الآن فهذا منتهى الغرابة!

إذا كانت أوربا المنافقة التي تحدثنا ليلا نهارا عن الإنسانية والعدالة وحقوق الإنسان وحتى حقوق الحيوانات .. وهي مدمنة على الظلم وأنواع الإجرام طيلة تاريخها.. تريد منع الهاربين من الفقر من الوصول إليها .. فلتقم هي بهذه المهمة البالغة القبح والسوء والبعيدة كل البعد عن الإنسانية...أما أن تستخدمنا نحن ضحايا هذا الظلم فهذا لايمكن استمراره وأكاد أقول وقوعه لأنه غريب وغريب جدا ! !

 

4. أكتوبر 2020 - 10:53

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا