إن مشكلة الرق ومخلفاته يتأكد يوما بعد يوم الحاجة لفهم خطورته وضرورة مواجهته بوضوح وبعقل مستنير لقد تغافلنا أو تهاونا كثيرا في إيلاء المشكلة ماتستحق من أهمية رغم خطورتها التي لا يدانيها أي مشكل آخر في الأهمية لتأثيرها الوجودي الأكيد على الكيان.
لقد اتسم تعاملنا مع مشكلة الرق وآثاره بعدم الوضوح
في الرؤية وضعف الإجراءات مذ بدأنا ننتبه إلى تأخرنا عن مواكبة العالم كله الذي تخلى عن الرق وأصبح يعتبره تاريخا وجزئا من المآسي الماضوية التي مرت بها الإنسانية في مراحل تطورها الطويل..
لقد كان تعاملنا مع موضوع الرق يجسد مثالا لنقص الوعي بحقيقة مشكل الرق ومتطلبات علاجه وكيف تكون مواجهة تأثيراته العميقة وذيول مخلفاته فكان عرض الموضوع على الفقهاء ناقصا وباهتا ولا يوضح الواقع بأبعاده ومتطلباته وضروراته مما جعل رأي العلماء أو فتاويهم هي الأخرى غير دقيقة وغير واضحة و غير حاسمة بل اتسمت كثيرا بالميوعة الواضحة وخصوصا عندما تضمنت المطالبة بتعويض ملاك العبيد المطالبين بعتقهم وإنهاء امتهان إنسانيتهم.. إن الفقهاء تحدثوا وتناولوا الموضوع بمستوى ماقدمته السلطة لهم فلم تدرك السلطة آن ذاك حقيقة الواقع فكان ماعرضت على العلماء لايناسبه إلا ماعبر عنه العلماء وهكذا صدر القرار الشهير بإلغاء الرق باهتا ضعيفا لايناسب المطلوب ولايتضمن موقفا متكاملا صريحا حازما قاطعا ينهي حالة تجاوزها الزمن وماتزال عندنا تعتبر كأنها طبيعية.
لقد كان عدم وضوح موقف السلطات ورجال الدين والمجتمع هو المشكلة دائما التي لم يمكن التغلب عليها وتجاوزها وظلت العقبة الكأداء التي تحول دون تبني سياسات فعالة تعالج الموضوع!! ورغم التقدم في الوعي الذي تطور كثيرا ورغم تأثير النضالات الثورية التي خاضتها جهات عديدة في الوطن والنضالات الأجتماعية والحقوقية القوية كذلك ومؤازرة قوى العالم ومواقف الأمم المتحدة وبيانات منظمات حقوق الإنسان ظلت رغم كل ذلك الميوعة تطبع رؤى وتدابير السلطات وظلت فئات واسعة من المجتمع لا تدرك حقيقة المشكل وخطورته ولا تدرك كيف تجب المعالجة.
إن القول اليوم بأن مختصر الشيخ خليل في الفقه يمكن بتطويره أو تنقيته من بعض محتوياته قد يُسْهِمُ في تسهيل حل مشكل الرق ومخلفاته يؤكد ما ذهبنا إليه من أن المجتمع لم يفهم حتى الآن المشكلة تمام الفهم ولم ينظر للأمور بما تستحق من أهمية ويؤكد أيضا أن مشكلة الأنظمة التي مرت في كل هذه الفترة لم يمنعها من إنجاز شيء يذكر إلا أنها لم تعي حجم المشكلة ولم تدرك حقيقتها ومتطلبات مواجهتها ولأن المجتمع التي تنبثق السلطة منه لم يستطع لسبب يصعب فهمه وعي المشكلة بجميع أبعادها حتى يستطيع المباشرة بالتعامل معها لعلاجها فهذا مانرى أنه قد يكون هو السبب الذي جعل بعض المثقفين الكبار يقولون أو يعتقدون أن مراجعة مختصر الشيخ خليل في الفقه المالكي قد يفيد في علاج المسألة !!!
سبحان الله ما أغرب هذا التفكير إن مختصر خليل ليس كتابا حول الرق ومخلفاته ولا تتضمن مسائل الرق فيه جل الكتاب ولا حتى حيزا مهما منه إنه تلخيص لمجموعة كبيرة من الأحكام تجمع الكثير من آراء المالكية في العبادات والمعاملات و وجوده وعدمه متشابهان في التأثير في المسألة وحتى المذهب المالكي كله لا يشكل عائقا ولا يؤثر على السياسات ذات التأثير في الموضوع إن كلاما كهذا الكلام يوضح خطورة وضعنا وتأخر وعينا إن الإسلام كل لا يتجزأ وفيه مذاهب كثيرة معروفة ومرت عليها جميعا مشكلة الرق واتفقو جميعا مالكييهم وشافعييهم وحنفييهم وحنبلييهم وداوديهم على أن مقتضيات المصلحة العليا للأمة الإسلامية والتي هي مصلحة الإسلام لا يناسبها استمرار هذه الممارسات وهكذا ببساطة انتهى الأمر وتم تجاوزه وألقي الرق في كامل العالم الإسلامي.
أنستطيع بعد ما رأينا في محيطنا العربي والإسلامي أن نطالب اليوم بتعديل في أحد المتون حتى نستطيع علاج المشكل ؟؟ هل جاء في مختصر خليل أن الطريق التي بها تمت الإغارة على بلدات مسلمة وخطف بعض سكانها كما كان يحدث يُجِيزُ للخاطفين تعبيدهم وامتهان كرامتهم؟ وهل هناك من لا يعلم أن أكثر الذين كانوا مسترقين مخطوفين بنفس الأسلوب من بلدات بعضها مسلمة!! وهل جاء في المختصر أن ما كان يجري في دهور السيبة والإغارات من السلب والخطف يُجِيزُ امتلاك البشر واسترقاقهم ؟!!
لقد جاء في المختصر (الحر كفؤ للشريفة وفي العبد قولان ) فهل التزمنا لقول خليل هذا والذي لو جرى به العمل لكان الحال أفضل مما هو عندنا؟ أم أننا نبحث فقط عن حجج نضمن بها استمرار واقعنا دون علاج؟ وليسمح لي إخوتنا القادة المثقفون بسؤال إذا كان علاج مشكلة الرق ينتظر ما اقترحوا فعله في المختصر فكم نحتاج من الزمن لعلاج مشكلاتنا؟؟!!
إننا نعتقد أنكم مثقفونا وقادتنا تضحكون علينا وتستغفلوننا بادعائكم الاهتمام بمشكل الوحدة وعلاج مشكل الرق ومخلفاته ! لأن من يعمل للوحدة يتوجه للمساوات بلا قيد ولا شرط ومن يعمل لعلاج الرق ومخلفاته يتوجه لمجتمعه ويطرح بوضوح وبصراحة ترتيب الأوضاع داخل مجتمعه القبلي و يحقق تساوي الجميع في الملكية العقارية وينهي عدم التساوي الاجتماعي فالأحرار أكفاء لبعضهم.. و العمل دون تأخير لإنهاء عدم الاشتراك في كل الأعمال والنشاطات التي تمارس يوميا من قبل الجميع هذه هي الأمور التي تجسد الوحدة والمساوات والانسجام ولا يعترض عليها أي نص مما عندنا لمالك وكتب مذهبه.. فهل نحن مستعدون لتحقيق هذه الأمور؟ أم أننا نتلهى بتناول الموضوعات دون جدية وبلا تدقيق ولا نبحث عن حلول جذرية للمشكلات وإنما نناقش ونناقش وما يأتي يجعله الله خيرا ؟ !!!
إن التقاء بعض قادتنا ومثقفينا مع النائب البرلماني برام بن اعبيد في اعتبارهم المالكية تتحمل جزئا من المسؤولية فيما يجري من جرائم الأسترقاق في بلدنا موقف خاطئ لايسنده أي دليل إننا نعلم أن برام وجد مستشارين طرحوا عليه الفكرة حتى استصاغها لكنها تبقى مع ذلك غير صحيحة..
إننا كمالكيين أكثر ما نمارس به تطبيقات المذهب في الصلاة وعندما ننظر إلى التزامنا في الصلاة بالمذهب المالكي نرى أنه حتى المتخصصين لايلتزمون بتوجيهات المذهب في الصلاة فكيف يكون الحال في المعاملات؟
إننا في مشكلة الرق ومخلفاته لانحتاج مواقف من بعض المذاهب أو تطويرا وتغييرا لبعض المتون وإنما نحتاج لعلاج جميع مشاكلنا للوعي وإلإخلاص .. وليس شيئا آخر !!
لو تركنا المالكية كلها فلن يساعدنا ذلك في التزام الوضوح والصراحة والإقبال على مشكلاتنا وأزماتنا بجد ولا للعمل لجعل المساوات أولوية الأولويات والعمل لتساوي الفرص وتجسيد الأخوة الحقيقية والتفاعل الإيجابي الخلاق لأن كل ذلك لا يأتي من مذهب وإنما من إدراك الواقع وتحديد الخيارات المناسبة في التعامل معه...
أما البحث عن فتاوي أو مبادئ فقهية لتفسير إخفاقاتنا واضطراب أوضاعنا فليس له مايبرره ولن يفيد الباحث فيه بشيء يمكن الاستفادة منه إنه جهد ضائع وبحث بلا طائل!!