كيف نشترك جميعا في عمل بناء؟ / التراد بن سيدي 

تعيش بلادنا مرحلة جد خطيرة تتنافس فيها المشاكل التي تحيط بنا من كل جانب لاحتلال الأسبقية والأولوية والحظوة بالتقديم من حيث مستوى الخطورة ورجحان الاهتمام بها وعلاجها قبل غيرها.!!
فهذه البيئة في درجة من التدمير والتدهور وسوء الحال تجعلها أكثر أولوية وأحق باستعجال لفتة سريعة وعناية مضاعفة..وتلك كومة مشاكل في مقدمتها الفقر والبطالة وسوء التغذية والأمراض المزمنة، مشاكل تفرض تخصيصها بمكان بين الأولويات وهذا نسيجنا الاجتماعي المتهرئ بفعل سلسلة من المشكلات البنوية الموروثة من ماضٍ طويل معقد ويستمر يتفاقم بسبب العجز عن رؤية وعمل ينه الرق ويعالج مخلفاته المتنوعة ، ولعدم تبني سياسة ثقافية واجتماعية صحيحة تفاقمت الفوارق الأقتصادية والأجتماعية و ازداد التنافر وعدم الانسجام داخل المجتمع.
وهذه السياسة التسييرية الهدامة مستمرة منذ وجدنا في تبديد الثروات وهدر الطاقات والتسبب فيما نرى من تدهور للبيئة وإهمال للثروة السمكية التي شارفت على الأنتهاء ، وذاك ضياع كميات هائلة من الثروات الحيوانية والمعدنية دون الأستفادة منهما بشكل مناسب ونرى تأخرا في كل شيء ونقصا في الخدمات يندر مثاله .. فلا طرق للنقل الداخلي ولابنى تحتية في المدن المختلفة!!
إن حالا كحالنا هذه يتطلب أول مايتطلب لعلاجه الوعي، والجدية، ،واشتراك الجميع في التفكير والعمل ووجود صيغ تحدد مجال مشاركة الكل وتحديد الأدوار التشريعية وخلق أدوات الأستفادة القصوى من كل الطاقات العقلية والبدنية لقوى المجتمع الحية وتوفير مجالات تعاون وتفاعل تمكن من فرض التأثير الإيجابي في الواقع..
إن على السلطة التنفيذية في البلد أن تدرك أنها إذا لم تغير نهجها في سياسة التفرد بالتعامل مع الشأن العام الذي دأبت عليها السلط التي سبقتها فإن الحال السائد سيستمر دون تغير أو تقدم وسيستمر بين المراوحة في نفس المكان أو التدهور والانحطاط !!
لقد كانت تجربة مرحلة مابعد الأستقلال للسلطة الأولى المدنية بمستوى من الرشاد وحسن الحاكمية متميز، رغم فتوتها ونقص تجربتها ولأن الوعي ضعيف والتعليم محدود لم يطلع الشعب بدور أساسي في الشأن العام.

وقد كانت مرحلة الحكم العسكري التي بدأت١٩٧٨ بشكل عام،مرحلة ولادة ونمو سوء التسيير بمختلف صنوفه الاختلاس، والتلاعب، والهدر،وساد الغش والتزوير والرشوة إن عدم خبرة العسكريين في الأمور السياسية وتعقد ظروفهم الأمنية أكثر الأوقات جعلهم يهتمون بالوضع الأمني ويهملون ما سواه،لقد كانت الظروف مواتية بسبب ماذكرنا من انشغال الحكام العسكريين بأمنهم واستقرار سلطهم لنمو كل الأمراض السلوكية التي نشتكي منها في فترة الحكم العسكري.

وكانت مرحلة التعددية وتشكيل الأحزاب والتي كان يؤمل منها أن تفضي إلى الانفتاح وقبول إشراك الآخر وخلق تعاون يساعد على مواجهة مهام تطوير المجتمع وتحسين مستوى معيشته لكن الأمر لم يكن كذلك لقد كانت مرحلة التعددية امتدادا واستمرارا لمرحلة الحكم العسكري أكثر منها تعددية ومدنية ديمقراطية!! فجسدت بشكل أوضح سيطرة السلطة التنفيذية وتفردها في معالجة قضايا الوطن بشكل استحال معه إسهام قوة وطنية واسعة كان إشراكها في التفكير والعمل يشكل ضرورة حيوية للتغلب على بعض مشاكل الواقع لكن ذالك لم يحدث..فكانت النتيجة مانرى من تراكم المشكلات على مختلف الصعد!!

لقد كان عدم تمكن قوتين حاضرتين ومغيبتين في نفس الوقت يشكل الخطأ الذي حدث واستمر يمنع طاقات وطنية من المشاركة في مجهود البناء وحل مشكلات الواقع المعقدة والقوتان هما:
أولا: القوة التي لا تتبع للنظام سواء كانت معارضة واضحة ذات برنامج وتصور سياسي معين أو كانت شخصيات مستقلة في الرأي وليست معارضة أو موالية إن آراء القوتين وجهودهما كانت ضرورية و كان على السلطة الاستفادة منها في تحديد السياسات والأولويات و الخيارات، فاستمرار استبعاد آراء و جهود جزء أساسي من القوة الحية ذات القدرة على التفكير والمشاركة في إيجاد الحلول للكثير من مشاكل الواقع و كذلك في المشاركة الفعلية في الفعل والإنجاز أحدثا نقصا لم يمكن إخفاءه أو التغلب على مفاعله.

إن اعتبار السلطة نفسهادائما هي المعنية بتحديد السياسات وتنفيذ كل الأعمال ترتب عليه نقص كبير في الرؤية ونقص أكبر في التنفيذ وأدى إلى مانرى من تدهور وتخلف في مختلف جوانب الحياة، ومن إخفاق وعجز في كل المجالات وفي مختلف القطاعات.
إن تصرف السلطات اتجاه قوى المعارضة والقوى المستقلة التي لا تتبعها اتسم دائما بالعدائية ولقد حاربت دون هوادة كل من لايتبعها دون قيد أو شرط واستخدمت مختلف الوسائل في ذلك فأغرت وهددت وسحبت العناصر التي تهمها من مختلف الأحزاب والتشكيلات ولقد عانى المعارضون والمستقلون من التهميش والحصار الشيء الكثير، ولم يهتم برأيهم أو جهدهم أحد و إن الجهود التي بذلتها السلطة لتدمير أحزاب المعارضة وتهميش الشخصيات المستقلة أسهم في ضعف أداء السلطة وضآلة إنجازاتها وضياع فرص كثيرة وتبديد أموال كثيرة كانت قادرة على تحقيق مالم يتحقق.
إن مابذلته الأنظمة في مرحلة التعددية من حرب ضد الأحزاب التي شكلت منافسا لها في البرامج المعروضة على الشعب جعل ديمقراطيتنا شكلية لامضمون لها فقد تم استخدام المال العام وسلطة الدولة لتكريس القوة والتأثير لدى السلطة التي تملك المال العام والوظائف وأغلب مصادر الأستفادة والإفادة والتأثير..وحرمت الأحزاب من كل إمكانية للتأثير وبالإضافة لأنواع المضايقات تم حل عدد من الأحزاب القوية لأسباب واهية أما سحب العناصر البشرية بمختلف وسائل الإغراء والتهديد فكان ديدن الأنظمة ولم يبقى للأحزاب من عناصرها إلا ما استعصى الاستحواذ عليه أو كانت السلطة لا ترغب فيه !!
لقد كان من نتائج سياسات الأنظمة الساعية للأستبداد بالرأي والتدبير إقصاء المعارضة والمستقلين من المشاركة في معركة الوطن ضد التخلف وتبعاته من جهل ومرض وفقر.

ثانيا: إن القوة الثانية التي تعرضت للتهميش وحرمت دورها ومشاركتها فهي القوة الضخمة التي تتبع نظم الحكم وتشكل قاعدته !! فلم تكن النظم الإستبدادية تشرك من يواليها في رأي أو تخطيط إنما جعلته قوة تنفيذية تسير بالازرار وتساق وعيونها مغمضة دون مشاركة برأي أو اعتراض على امر !!!
إن النظام المستبد لم يمنع المعارضة فقط من الأشتراك في الرأي والعمل الوطني وإنما منع من المشاركة تلك القوة الضخمة الموالية له و التي تضم عشرات الألوف من أهل الخبرة والرأي والتجربة فلم يكن يتاح لهم إلا تنفيذ السياسات المقررة من طرف السيد الحاكم الذي يعتقد أنه يعرف كل شيء وليته كذالك !!!
لقد أوصلتنا سياسات الحكومات الإقصائية الأستحواذية الاستبدادية التي لم تكن تقصي وتحرم من المشاركة معاريضيها والمستقلين عنها فحسب وإنما كانت تقصي كذلك جمهورها والملتزمين بسياساتها لأنها إقصائية بطبيعتها ومستبدة ولا تقبل المشاركة لأحد لا في الرأي ولا في الجهد...

إننا والحال كما أوضحنا نرى أن السلطة التنفيذية هي المسؤولة الآن عن تصحيح الوضع ورسم أو تبني سياسة جديدة تمكن من استغلال جميع الطاقات الكامنة في المجتمع للتقلب على جزء من مشكلات الواقع شديدة الصعوبة والتعقيد والتي لا تزداد مع الوقت إلا صعوبة و تعقيدا .
إننا نعتقد أننا على مفترق طرق علينا اختيار طريقنا ومسلكنا إذا شئنا مواجهة واقعنا والتعامل بجد مع معضلات الواقع التي تحيط بنا فلنغير سياساتنا الموروثة التي اثبتت فشلها ونتخلى عن الأستبداد والأنعزال ونعمل بجد لجعل الجميع يطلعون بما يمكنهم من رأي وجهد و تحديد الأولويات وتحديد وسائل التعامل معها.
إن الأحزاب معارضة وغير معارضة وكل القوى جزء
من قوة الفكر والعمل الذي لايمكن أن يغيب جزء منها عن الاشتراك في معركة الوطن ،وإن القوة البشرية الموالية للنظام بعقلها وجهدها جزء من العملية وأي نقص في إشراك أحد المكونات هو نقص في حجم الجهد ويترتب عليه بلا شك نقص في الفعالية والقدرة على التأثير..
أما غير هذا المسلك وهذا الطريق فهو - في نظرنا- استمرار في خط الانحدار نحو الهاوية والضياع. ولانعتقد أن قادة المجتمع وأهل الرأي فيه سيقبلون استمرار الأنحدار في مهاوي سحيقة.. سحيقة.. سلم الله الوطن منها وقيض له عقولا تجنبه كل مخوف!!!

25. أكتوبر 2020 - 15:20

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا