يلعب الإمتحان دورا جوهريا في العملية التربوية، لما يتيحه من فرص قياس مستوى الإستيعاب لدى التلاميذ، و الجد و الأداء الذي يقدمه الأساتذة و الطاقم التأطيري بصفة عامة بما فيه الإدارة.
و لذلك فأن نتائجه تستحق الوقوف عندها، لإستخلاص الدروس و العبر، ما يسمح بتطوير الأداء، و تحسين مخرجات العملية التربوية.
و بغض النظر عن مدى وعي الناس بهذه الحقيقة، فإن حالتين كثيرا ما تلفتان الإنتباه، و تستثيران فضول الناس مختصين و عامة في البحث عن الأسباب الكامنة وراء ذلك: هاتان الحالتان هما نجاح قسم ىكامله أو فشله بكاملة.
و هذه الحالة الثانية هي الأكثر استفزازا للتساؤل و إثارة للفضول، نظرا لمرارة الإخفاق و لصعوبة تقبل ضياع الجهود و تبخر الأمال.
و شخصيا و بوصفي متابعا مهتما بأحوال المنظومة التربوية الوطنية منذ فترة، و بواقعها خصوصا في البئات النائية و بين الفئات الأكثر هشاشة و عزلة، فقد استوقفتني نتائج الباكالوريا لهذا العام، و خصوصا في ريف تكانت و على مستوى بلدية التنسيق و في ثانوية أغلمبيت بالتحديد.
تلك النتائج المتباينة، التي جاءت بعيدة كل البعد عن ما كنا جميعا نـأمله و ننتظره، فكما كان عدد الناجحين هزيلا أو معدوما، ربما إن تحرينا الدقة أكثر، فأن المعدلات المتحصل عليها كانت متدنية.
لذلك سنخصص بقية هذه الورقة لهذه الحالة باعتبارها الأخطر و الأحوج إلى الإستقصاء والعلاج.
و بعيدا عن كل استثمارغير بريئ لهذاالمعضل، فإنني لن أحاول أن أحمل المسؤولية طرفا دون أخر، بل سأقرر جازما أننا حميعا مقصرين، و أن الوشع لا يحتمل التسويف و التأجيل، و أن مستقبل شباب واعد، نعلق عليه أمالا جساما، يتطلب منا جميعا العجلة في استدراك الوضع و تصويب الأمور.
و لا بد ان يتم ذلك على مستويات ثلاث:
على مستوى التلاميذ و الأباء
على مستوى المؤسسة إدارة و أساتذة.
على مستوى الإدارة في الولاية و على المستوى المركزي.
فعلى المستوى الأول و الأهم يجب على التلاميذ شحذ الهمم، و علو الهمة، و التسلح بالحماس و الجدية و الإستعداد لدفع ثمن النجاح مسبقا بالمثابرة و المواظبة وعدم الروم الى الخمول و الدعة.
و على الأباء مواكبة ذلك عن قرب، و تحفيز التلاميذ، و توفير جو لائق في البيت، ملائم للتحضير و تحقيق التميز و النبوغ.
أما على المستوى الثاني فإن إدارة الموسسة مطالبة بأن تعي ثقل العبئ الملقى على عاتقها، و أن تكون في مستوى التحدي، و أن تسعى دائما إلى توفير جو عملي نزيه و خلاق ، مشجع للأستذة على الإبداع و محفز للتلاميذ على التنافس. و عليها أن تضغط بكل الوسائل المتاحة على الإدارة الجهوية و من خلالها على الإدارة المركزية لكي توفر لها الكادر التعليمي الكفو و الفعال. تلك مسؤوليتها الأولى، وعليها أن تسهر على تسيير هذا الكادر،باعتباره المورد الحيوي الأهم للمؤسسة، فينبغي الإعتناء به و مراعاة ظروف عمله، و تحسين الإطار العام و البيئة المحيطة بالموسسة. إن ذلك يمر حتما عبرتوثيق الصلات بروابط أباء التلاميذ و المسوؤلين و كل الفاعلين المحليين و الوطنيين في هذا المجال، و توظيفهم جميعا ليكونوا أدوات فعالة في سبيل تحقيق المرامي و النقاصد الكبرى للموسسة.
أما على المستوى الأخير، فعلى الإدارة في الولاية و على المستوى المركزي: أن تتحمل مسؤوليتها كاملة و أن تسارع لتدارك التقصير الملحوظ خصوصا في مجال العدالة في توزيع الأساتذة أصحاب الكفاءات العلمية و التربوية خريجي مؤسسات التأهيل الوطنية، العدالة في توزيعهم بين الحواضر الكبرى و الريف و عليها أن لا تنسى أن الديمقراطية في التعليم و المدرسة الجمهورية تتتطلبان ذلك ، بل و تشترطانه. ان توفير أساتذة أكفاء لأبناء موريتانيا أيا كان موقعهم في هذا البلد المترامي، ثم متابعتهم و تشجيعهم على المكث و الإستقرار حيث مقرات عملهم، لهومن صلب عمل هذه الإدارة الذي تحاسب عليه في الدنيا ىو الأخرة. فعليها أن تسهر على القيام بهذا الولجب أتم قيام، و أن تبذل قصارى الجهد في سبيل ذلك. و لن يكون ذلك مستحيلا. ان امتياوات مهنية و علاوات منتظمة كافية في الحد الأدنى، ستكون كفيلة بتحقيق ذلك مع روح الوطنية العالية و التجرد التام الغالبتين بين مدرسينا.
و نخلص أخيرا إلى أن نتائج هذا العام بالنسبة لمركز أغلمبيت، و إن كانت مخيبة من حيث نسبة النجاح، إلا أن ثمة أمورا تجعلنا نلتمس بعض العذر للتلاميذ: فالعام كان عام جائحة اختصرت بسببها السنة الدراسية في أربعة أو خمسة شهور، ينضاف إلى ذلك النقص الحاد في أساتذة بعض المواد ذات الأهمية بالنسبة للشعبة و الذي استمر طوال العام، دون أن ننسى العجز الكبير في المراجع العلمية و صعوبة الولوج و الوصل بالشبكة العنكبوتية.
ثم إن انتقال التلاميذ إلى ثانوية غير ثانوية الدراسة أيام الإمتحان بغض النظر عما تقدمه الإدارة من مسوغات لتبرير ذالك الإجراء، قد يكون ترك أثرا ما على نفسيات التلاميذ.
أن التماس بعض العذر للتلاميذ لا يعني أبدا التسليم للواقع ولا القبول به، بل إنه واقع لا بد من تغييره، حتى نبرهن و بجدارة أن نتائج هذا العام و ما صاحبها من خيبات و إخفاق ،كانت كبوة جواد سرعانما يستطيع النهوض بعدها و يواصل الجري بعزم و تصميم لإسترداد الصدارة.
يتطلب ذلك :
أولا من جانب التلاميذ و الأباء الحرص على الإجتهاد و بعث روح التنافس و علو الهمة و الطموح لإحتلال مواقع متقدمة في قائمة الفائزين الأوائل على المستوى الوطني للعام المقبل ان شاء الله.
و عليهم أن يدركوا أن الخطأ الجسيم الذي يمكن أن يقعوا فيه هو تحولهم عن مؤسستهم و بالتالي تفويت فرصة سانحة لتدارك الوضع، فبقائهم هناك سوف يكون حافزا يدفعنا جميعا كل من موقعه أن نسعى إلى إيجاد حل ما يمنع تكرار الوضع مستقبلا.
ثانيا على مستوى المؤسسة، على الإدارة التحلي بالصرامة الكافية و الروح النقابية العالية في تعاملها مع الإدارة في الولاية و على المستوى المركزي و تصميمها على توفير أساتذة متميزين وخلق جو ايجابي يحفزعلى التنافس و يعلي الهممم و ينشر داخل المؤسسة روح الإبتكار و الإبداع.
ثالثا على مستوى الإدارة الجهوية و الإدارة المركزية ينبغي التحلي بالجدية و الإخلاص و التجرد في مسعانا الوطني الدؤوب نحو تحقيق ديمقراطية التعليم، والتأسيس لمدرسة جمهورية حقيقية، يتساوى فيها أبناء موريتانيا في الحصول على فرص الكسب و التحصيل بغض النظر عن مواقع تواجدهم على أديم هذا الوطن المعطاء الطيب.