إخوتي أخواتي لقد قرأت الكثير من تعاليق الإخوة المغاربة في الانترنت على موضوع عدم استقبال الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لوزير الدولة المغربي عبد الله باها ، وأرى أن أغلبيتها للأسف غير موضوعي وغير منصف في حق الشعب الموريتاني ولا حتى في حق الشعب المغربي ، بل كان منبعه عصبية جاهلية بغيضة بعيدة عن الدين والأخلاق وأجد من واجبي أن أقدم الإنارات التالية:
1. أشكر المعلقين المغاربة والموريتانيين الذين لم ينحطوا ولم يصطادوا في المياه العكرة و أحث الجميع على حسن الظن بالشعوب الأبقى من الانظمة مهما كانت وأن يفرقوا بين الشعوب المفعول بها عموما والحكومات الفاعلة. 2. كل هذه الشتائم لا تضر إلا صاحبها في النهاية ولا تعبر إلا عن أحد أمرين ؛ أولهما : إما أن يكون جهلا بالمعطيات وفقدانا لوسائل الاقناع امام انفعال وطني- خيّر ربما- بخبر لا ندري صدقيته ولا نعرف من يقف وراءه للإساءة الى العلاقات الموريتانية المغربية ومن له المصلحة في ذلك. ثانيهما : اما يكون عن سوء سريرة وبذاءة لسان لا تليق إلا بأبناء الشوارع ولا تفيد إلا انحطاط كاتبها. 3. نجزم حسب مصادرنا الموثوقة بان جزءً من الخبر كذبٌ حيث ان الوزير المغربي تم استقباله بما يليق من طرف وزير موريتاني في المطار ووفرت له سيارة وزير وحراسة مع انه جاء ضيفا على مؤتمر حزب موريتاني معارض هو حزب تواصل الاسلامي ويقينا انه كان محل اكرام وحسن ضيافة من طرف الحزب المذكور فمن اهم مفاخرنا قديما وحديثا اكرام الضيوف فهو اذن ضيف لحزب وليس ضيفا على الحكومة الموريتانية. 4. وان صح الخبر فيمكن ان يكون ردا بالمثل فوزير الخارجية المغربي لم يستقبل وزير الخارجية الموريتاني قبل اسبوعين خلال مؤتمر اصدقاء سوريا في مراكش . وإذا كان هناك تباعد فعلا فيمكن ان يكون الجفاء بدأ مع الاحتكاك الدبلوماسي بين المغرب و موريتانيا ابان التزاحم على منصب المقعد الغير دائم في مجلس الامن التابع للأمم المتحدة. ولا نظن ولا نرجوا ولا نقبل إلا ان تكون سحابة صيف عابرة . فالمغرب بدون موريتانيا محشور في الزاوية وحدوده على سبيل المثال مغلقة عن تصدير منتوجاته الفلاحية الى افريقيا وهو ما يستفيد منه مائات آلاف المغاربة في حين ان آلاف الموريتانيين بحاجة للتجارة مع المغرب هذا بالإضافة الى عديد القطاعات التي يضيق المقام عن ذكرها, فلا استغناء لأي منا عن الاخر. 5. هل ان موريتانيا كانت جزءً من المغرب زمن كانت موريتانيا امارات حسانية ام كان المغرب جزءً من موريتانيا قبل ذلك ايام اسس المرابطون دولتهم و رباطهم الاول بجزيرة تيدرة قرب العاصمة الموريتانية نواكشوط وغزوا المغرب و اسسوا مدينة مراكش؟.. هذا سجال لا يهم من قبيل البيضة و الدجاجة ايهما الأول .. فكل البلدان المتجاورة بتقسيمها الحديث كان كل منها يخضع في زمن ما لسلطةٍ مركزُها الطرف الآخر. و العودة الى الماضى مثلا تجعل اغلب دول العالم العربي جزءً من الدولة التركية ، و اغلبُها جزءً من الدولة العراقية، والعراق من ايران وإيران من العراق والهند جزء من الدولة الاسلامية وباكستان جزء من الهند ، وبنغلاديش جزء من باكستان ، والولايات المتحدة جزء من انكلترا ، واسبانيا من المغرب والمغرب من اسبانيا ، وهلم جرا . فهذه حالة الامم وتقلبات الدول والإمبراطوريات. ومنه فإننا وان كنا لا نرضى عن الحدود الاستعمارية التي نعرف ان المستعمر رسمها وقطعها تقطيعا ، ولحاجة في نفسه غالبا - وبالتأكيد اننا ندرك بعض الالغام الحدودية التي زرعها المستعمر عن قصد بين بعضنا البعض ، وما خاب أمله فيها فسرعان ما تهافتنا عليها ومازال بعض تلك الخلافات الحدودية يعيق علاقاتنا وتعاوننا وتكاملنا وتوحدنا وتنميتنا وازدهارنا الي اليوم - إلا اننا رغم فهمنا لذلك كله لا بديل لنا من التسليم بهذه الحدود الموروثة عن المستعمر ؛ اولا لتلافي الحساسيات والخلافات والمطالبات اللا متناهية و اللا محسومة . ثم بعد ذلك اذا اردنا يمكن ان نقيم التعاون والتكامل والاتحاد او الوحدة لم لا؟.. فالعالم تطور وتفنن في اشكال التعاون والاتحاد ونحن مازلنا نعيش على التاريخ وكان التي هي فعل ماضي ناقص. 6. ان الذي جعل العرب لا يتقدمون مع مرور الزمن إلا الى مزيد من الانقسام وتعقد العلاقات وتوترها واستحالة التعاون و التكامل, بالأحرى الاتحاد ولو الكونفدرالي؛ هو ارتباطهم العضوي بالتاريخ و بالجانب السلبي منه اساسا واستحضار ما يفرق هذه الامة بدل ما يجمعها و ما يجمعها كثير. ومن اسباب ذلك – كذلك - بحثهم عن تصنيفات وتوزيعات تمكنهم من ازدراء بعضهم البعض وهم خبراء في ايجاد التوصيف لكل مكون ؛ فمن دول مزدراة بسبب "صغر المساحة" الى اخرى بسبب "قلة السكان" الى دول عيبها انها "كثيرة السكان فقيرة و قليلة المصادر قليلة المال" الى دول "حديثة قليلة التاريخ" ولا تخلو دولة من دولنا من ما يمكن ان تُعيّر به من هذا المنطق مما لا اريد ان استفيض فيه حتى يظل حديثي بدون تعيين. 7. ان الحديث عن الاصول الإتنية قليل الاهمية في زماننا هذا ولا يهتم به بأكثر مما يستحق إلا المتخلفون عن الركب الذين لا يملكون قوة المنافسة فيلجأون الى التقسيم العنصري عله يمكنهم من محاصصة ما ، ليست على اساس الكفاءة على كل حال. فان يكون اصلي عربيا او سودانيا او أمازيقيا بربريا قليل الاهمية امام ثقافتي وثقافة آبائي وأجدادي العربية الاسلامية و قليل الاهمية امام شعوري بالانتماء العربي فالعروبة لم تعد الاصل العرقي منذ آلاف السنين, منذ سيدنا اسماعيل عليه السلام فهي ليست لونا ولا عرقا و انما لغة وهوى وانتماء و إلا لما كانت كل قبائل عدنان عربية بل لما كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عربيا. ما يهم إذن في هذا المقام اكثر من الوضعية العرقية هو عدالة الدولة والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات, في التعليم والصحة والتوظيف والولوج الى المناصب القيادية بغض النظر عن اصولهم العرقية الماثلة للعيان او اصولهم العرقية البعيدة. ان الدولة لا يمكن ان تقوم على فلسفة المحاصصة القبلية ولا الجهوية ولا العرقية إلا لفترة قصيرة واستثنائية لاستدراك خطأ تاريخي ما؛ وهو ما يسمى التمييز الإيجابي، اما المحاصصة الطبيعية فهي تلك المبنية على الكفاءة ، و هي حالة التوازن الطبيعي ، ويكفي شروطا لها ما تقدم بالفقرة السابقة من عدالة وما اليها. 8. وخلاصة القول فالحديث ذو شجون ولكن فانه رغم المد والجزر و رغم انف الحسود ستظل الشعوب المغربية و الموريتانية بل و المغاربية عموما متحابة رغم المطبات التي لا تخلو منها اية اسرة. انه لا يصح إلا الصحيح فلابد ان ينتصر الحق في النهاية وتذوب جبال الجليد ونبني مستقبلا واعدا لمغربنا الكبير بحول الله وان مع "وبعد" العسر يسرا.