إن أوّل ما يلفت الانتباه في كتاب" كشكول الحياة" هو التنوّع في الموضوعات التي يتناولها
فالكتاب يقع في 184 صفحة من القطع المتوسط، ويتضمن مقالات متنوعة، في الثقافة العامة والشعر و أعمال أدبية لعدد من الكتاب العرب والغرب.. بالإضافة إلى مقالات في الترجمة والإعلام .
تتناول المقالات الكثير من تجارب الكاتب محمد ولد إمام ، يسرد فيها قناعاته في الحياة ، هادفًا لإيصال فكرة مُعينة أو ترسيخ مفهوم ما.. مستشهدًا بآياتٍ قرآنية و أحاديث و مواقف تعرّض لها و غيرها .
في بعض المقالات ، وصفٌ دقيق لبعض المشاعر التي تعترينا أحيانًا ، و في بعضها ، يسرد بعض عاداته هو ، و مواقف تعرّض لها في حلّه و ترحاله ، واصفا مدن العالم التي زارها
من الموضوعات التي تسلط الضوء على تقلبات الحياة وتغوض بك في أعماق الروح الإنسانية، هي الاهتمام مثلا بالمال على حساب المشاعر الصادقة. هنا .. يقدم الكاتب فلسفة عميقة في استقراء هذه الحالة، إذ يرى أن الأشخاص الذين يرون الحياة جهادا دائما لتحصيل المال والمكانة على حساب الأشياء الصغيرة مثل العائلة والأصدقاء هؤلاء يجنون على أنفسهم أكبر جناية بل وأعظمها ، دون أن يشعرك الكاتب بأن المال شيء ثانوي في الحياة بل وتشعر كقارئ بضرورة التوازن بين المال والأشياء الحياتية الصغيرة لتحقيف الرضى والسعادة ، وهذا ما عبر عنه إمام بالقول :
"أي شيء ثمنه سلامك الداخلي لايستحق"
لعلّ باب الكتب كان من أهم أبواب الكتاب وأكثر المحطات المؤثرة فيَ.. ، إذ ذكر فيه عدّة حقائق عن الثقافة والعلم و حب الاطلاع ..
وترجمات عديدة لكتاب عرب " طه حسين ، والمازني وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، وأحمد شاكر وغربيين فولتير وسارتر وتشيخوف وديستويفسكي .."
تناول في هذا الباب ذكرياته مع معارض الكتب و الفائدة المرجوّة من القراءة .. بأسلوبٍ آسرٍ و سيل معلومات مَتدفقة ، دون أن يشعرك بالإلزام أو أنك في موضع تلقي النصح .
و في مقالاتٍ متفرّقة ، يعطف بنا الكاتب على أمورٍ تؤثر في مدى راحة و نجاح أي شخص في حياته ، فيمجد التسامح والسلام الداخلي وكيف يتأثر الفرد منا بآراء الناس المُحاط بهم، والابتعاد عن ذوي النظرة السوداوية دائمًا .
أخيرًا ، أعتقدُ أنّ سببًا من أسباب إعجابي بالكتاب ، هو ثراؤه بالكثير من أسماء الكُتّاب والفلاسفة و الروائيين و المفكرين ، و بعض مؤلفاتهم ، و عدّة أعمال كلاسيكية ، و الكثير من أبيات الشِعر و الأقوال المأثورة - شرقيّها و غربيّها - على سبيل الاستشهاد.
خاتمًا الكتاب ببعض المقالات والمحاضرات التي نشرت له في فترات مختلفة عن اللغة ووسائل النشر والترجمة .
ومن أجل هضم المقروء ومعالجته من أجل استيعابه وإدراكه، اعتقد أن الكاتب سهل ذلك من خلال تقسيم الكتاب إلى أبواب غير مترابطة ببعضها البعض ذات مضامين مختلفة، تسهل على القارئ خاصة المنشغل أن يقرأ الكتاب من أي مكان يشاء، ولو على فترات دون أن يخل ذلك بالفائدة المرجوة من فعل القراءة، والتي تقتضي إسهام القارئ فيما يقرأ، ويحتاج هذا إلى الوقت كالنحلة تحول الرحيق في بطنها إلى عسل .