حبر كثير سال للحديث عن واقع تعليمنا، لم يكن الهدف سوى إظهار أهمية الموضوع وحساسيته وخطورته على البلد حاضره ومستقبله.
إن تطور البلد ونماءه، يفترض العبور من بوابة وحيدة هي التعليم.
وليكون التعليم على مستوى التطلعات، يلزم خضوعه لإصلاحات في فترات معينة ومنتظمة، والنظر في واقعه وتشخيصه في كل مرة، لتتضح الخطوة الموالية.
وهكذا شهدت بلادنا عدة إصلاحات للتعليم من 1959 وحتى 1999.
تميزت كل تلك الإصلاحات ، بالتعاطي وبدرجات متفاوتة مع اللغة، حتى كان إصلاح 1979م، الذي أعتبر بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث كرس نظام الشعبتين بشكل اختياري، ليتم الانتقال من "التمييز بين الشُعب إلى التمييز بين الشَعب"، كما يقول أحدهم.
وهكذا وعلى أنقاض هذا الواقع المر، وبعد عشرين سنة، خرج إصلاح 1999 إلى النور، ليسعى في تلافي تلك الأخطاء فيهدف من بين أمور أخرى إلى:
- توحيد النظام التربوي في شعبة واحدة مزدوجة
- تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية...
ولنحكم على مدى نجاح إصلاح التعليم الأخير يكفي أن نطرح على أنفسنا السؤالين التاليين:
- هل تحقق الهدفان الأساسيان السابقان واللذان يعتبران محوريين في إصلاح سنة 1999؟
- وما مؤشرات ذلك؟
بنظرة بسيطة لواقع التعليم اليوم، يتضح مدى الإخفاق في الهدف الأول، والمتمثل في أنه بعد عشرين سنة من هذا الإصلاح - مثلا - لا زالت الدولة تكتتب المعلمين على أساس الشعب، بدل أن يكون الاكتتاب حصرا على المزدوجين، لأنهم هم من يفترض أن يكونوا مخرجات هذا الإصلاح الجديد، ولأن المدرسة التي يتجهون إليها تحتاج معلما مزدوجا يقود قسما بنفسه، يدرسهم لغة كل مادة في وقتها، فنوفر بذلك، نصف الكادر التعليمي، والذي تعتبر مؤسساتنا التعليمية وخاصة منها الأساسية في أمس الحاجة إليه، ولنستفيد بالتالي من تلك الإزدواجية الحقيقية، لا تلك الصورية المنتشرة اليوم في معظم مدارسنا.
أما عن الهدف الثاني، فإن إخفاقنا فيه أكثر وضوحا.
فمنذ بدأ تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، شهد مؤشر بيانات مستويات التعليم هبوطا حادا، ينذر بكارثة حقيقية على مستقبل التعليم بالبلد.
وذاك أمر طبيعي لأننا بتلك الخطوة، وضعنا التلميذ في تحديين حقيقين وورطتين يصعب الانفكاك منهما، ألا وهما عامل لغة صعبة لم يألفها في محيطه، وعامل مادة علمية صعبة هي الأخرى في حد ذاتها وفي تركيبتها، التي لا يدرك كنهها والتعامل معها، إلا ذو حظ عظيم من الذكاء، وما أقلهم!
ليصدق فينا المثل القائل: "على نفسها جنت براقش".
خلاصة الأمر - وإن كان الحديث عن التعليم حديثا ذا شجون ، ولأني لا أحب الإطالة ولا أحبها للقارئ - فإنه آن لسلطتنا السياسية القائمة مراجعة الإصلاح التربوي القائم، فإذا لم يكن الإخفاقان السابقان كافيين لوحدهما، لإعادة النظر في نظام إصلاحنا التعليمي الحالي - وأظنهما كذلك - فلا أقل أن تكون تلك المراجعة بدافع شيخوخة هذا الإصلاح الذي مرً عليه عقدان ونيف، متجاوزا بذلك الحيز الزمني الذي فصل بين كل إصلاحين متتاليين من الإصلاحات السابقة التي شهدتها منظومتنا التربوية، فنشخص بذلك الأخطاء، ونسعى في تفادي ما مررنا به من إخفاقات في تجارب سابقة، مستفيدين من كل ما كان لها وقع وتأثير على العملية التربوية السابقة برمتها؛ فننطلق إنطلاقة صحيحة مبنية على أسس سليمة صلبة وواقعية، قوامها "شرط النهايات؛ تصحيح البدايات".