حوار و اللاحوار/ بقلم: الولي ولد سيدي هيبه

altمهرجان هنا تشرح فيه المعارضة نتائج الحوار الذي كانت طرفا فيه، و مهرجان هناك تشرح فيه المعارضة نتائج الحوار الذي قاطعته. المعارضتان كانتا رتقا ففتق الحوار بينهما. إحداهما رأت أنه كان لا بد من إعطاء النظام فرصة لاختبار

 صدق نيته و سبر غور طويته بغير ما إلزامه باشتراطات رأت أنها لا تقدم و لا تؤخر لمناقشة كل قضايا الوطن المكلوم. و المعارضة الأخرى لم تشأ أن تلج حوارا لم تجد في ما أرتها تجربتها السياسية و حتى حين، مع النظام ما يجعلها تعتقد أن الأرضية قد تهيأت و لو بقدر دانق من صدق النوايا و من الاعتراف بضرورة التناوب.

أما المعارضة التي أقبلت على الحوار فقد خرجت، بعد أكثر من شهر من الأخذ و الرد وراء الأبواب الموصدة و تحت أزيز المكيفات المنوم، على أنصارها بنتائج طالبت على الفور بالمباشرة في شرح أبعادها و الإسراع في تنفيذها. و في هذا السياق لم ترم بالكلام فقط على عواهنه فجمعت بينه و بين الفعل و انبرت في حملة شرح و تبيين أخذت أشكالا من بينها المهرجانات و الندوات.

و أما المعارضة المقاطعة فقد أيقنت، و بعد أن لم تجمع أمرها و لو مرة كالمصاب بالمس، أن ما منعها من الانخراط فيما لم تؤمن بأنه حوار جاد مذ أول نداء صدر عن النظام ، كان أكثر من بعد نظر. فالنتائج التي تغنى بها المشاركون كانت على حد وصفها شحيحة و هزيلة، لم تفتح أية بارقة للأمل في التفاهم على أدنى حد من التوافق و لم تعد أن تكون مسرحية هزلية باهتة الفصول و الأطوار و جامدة الأدوار حركتها مطامع السن المتقدمة في حكمة و راحة ينشدها على العادة أفول النجم و انطفاء الوميض الأخير.

من ناحية هناك "حوار" لا يصدقه من تقع على عاتقه مسؤولية فرض الحوار نهجا و إن بالسعي إلي ذلك الهدف بالتنازلات و بالصبر و الجلد، و هنالك من ناحية أخرى "لا حوار" يصرف عنه النظر من تقع على عاتقه مسؤولية تقريبه ولو كلفه الأمر تقاسم بعض من أدواره.

و هاهنا بالنتيجة "حوا ر " و "لا حوار" على طرفي نقيض، أبقاهما وجها المعادلة السياسية كخطين متوازيين لا يلتقيان في بلد ينشد مع ذلك بإلحاح تلاقي كل الجهود ليخرج من برك الوحل السياسي و مستنقعات الفساد الخلقي و الفساد التسييري المستشرين في جسم الدولة إلى النخاع منذ نشأتها و حتى اللحظة، فساد على فساد ساعد علي تفشيهما و تأثير سوء نتائجهما على المواطن في الصميم و على كيان الدولة في بنيتها و أدائها "جيلا" ما بعد الاستقلال و من أي موقع تسييري أو منطلق للقرار، و في أي إطار تواجدا فيه، سياسيا أو نقابيا أم غيرهما في الدائرة الأكثر اتساعا للمجتمع المدني.

و إذ لم يبهر بالعمل الخلاق هذان الجيلان اللذين ما زالا يتحكمان في الشأنين العمومي و الخصوصي ، فإنهما لم يستطيعا بالطبع أن يكونا قدوة للجيل الحاضر الذي من المفروض أن يأخذ عنهما اللواء ليسلمه من بعد لجيل يخلفه.

هذه الحقيقة المرة قصية عن الأذهان، محجوبة عن الإدراك من فرط استشراء النفاق واضمحلال الوازعين الديني و الخلقي في جمهور الطبقة السياسية و الثقافية. و لا شك أن المسار السياسي للبلد يسلك في مده و جزره تعرجات و مسالك هذه الوضعية النفسية السقيمة و التي تنخر جسم البلد على إيقاعات الخلافات العرقية و الطبقية و السعي بكل الوسائل الغير مشروعة إلى السلطة غاية و نهاية. و هي الحقيقة المرة التي، و إن تغاضى عنها الكل، تنشد و بإلحاح حوارا سريعا لتفادي الطوفان الذي بدأت تلوح في الأفق ألسنة أمواجه و يصل إلى المسامع هدير تلاطمه على ضوء انتشار الوعي في كل الأطراف و المكونات و إن في فوضوية "اللامنهجية" و غياب مفهوم الدولة.

و يبقى للطبقة السياسية من حاكمة و ساعية إلى الحكم أن تتلمس طريق الفكاك من هذا الطوفان قبل فوات الأوان و أن تدرك أن قواعدها من الشعب لن تظل مخدوعة فيها كالودع على ظهور الجمال و أنها لن تظل منتفعة بركوبه إلى مجاهل الحكم المشتهى فقديما قال الشاعر:

لا الودع ينفعه حمل الجمال له و لا الجمال بحمل الودع تنتفع

22. نوفمبر 2011 - 0:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا