إلى متى تظل البيئة آخر ما يهمنا ؟ / التراد بن سيدي

لقد تجاوز سوء وضع بيئتنا كل الحدود المعقولة بعد أن بلغ التصحر حدود ال٨٠ % حسب بعض التقديرات وفي الوقت الذي تقدر بعض الدراسات حجم تقدم التصحر السنوي ب: ٢٠٠ ألف هكتار كل ذلك ونحن سادرين في غينا ندمر ونوغل في التدمير لما بقى من غطاء نباتي يقاوم الضغوط والإنهاك والتدمير المتواصل لما بقى من الأشجار والحشائش فما نزال نرى تحويل ملايين الأشجار يوميا إلى طعم للنيران لنستخلص فحما للطبخ والشواء وكافة حاجات المنازل في الارياف وفي كثير من المدن مسرعين بذلك إنهاء آخر النباتات ومنهين بقايا الغابات القليلة التي مايزال فيها بقايا شجيرات نستأصلها و نقضي عليها غابة بعد غابة و شجرة بعد شجرة دون أن يرف لنا جفن .!!

لم يبقى عمل يساعد التصحر على التوسع إلا عملناه فبالإضافة لحرق الأشجار لاستخدامها كفحم والذي مايزال منتشرا على طول البلاد وعرضها والذي يعتبر بحد ذاته أكبر دليل على نقص الوعي البيئي وضعف الأهتمام بما يصيب الغطاء النباتي من أضرار، بالإضافة لذلك يجري تقطيع الأشجار والحشائش لاهوادة فيه لأغراض كثيرة وبعضها لمحض العبث وإلإفساد بسبب الجهل والتعود على سلوكيات متبعة مذ أزمنة طويلة.!!!

إن عدم الأهتمام بالبيئة كلفنا في الماضي وطيلة تاريخنا خسائر لا يمكن تقدير حجمها،خسرنا من النباتات الجميلة والغابات الوارفة والسهول الخضراء ذات التنوع البديع من أشجاروحشائش ينمو بعضها في الخريف وبعضها في الشتاء وبعضها في المواسم الحارة بحيث يغطي نموها طيلة السنة كل الفصول والمواسم وكان يعيش على أديم هذه الأرض وما ينبت عليها ملايين من الحيوانات البرية والطيور ذات التنوع الرائع .
خسرنا كل ذلك بفعلنا وإهمالنا وجهلنا واستمرينا بلا توقف نواصل إتمام ما بدأنا من التدمير والعمل الفظيع للقضاء على بيئتنا دون أدنى إحساس بالمسؤولية ودون أي محاولة لإدراك مانقوم به من عبث وإفساد لآخر أمل لنا في استرداد ماضاع من ثروات لا تقدر بثمن، ولم نعي ضرورة وقف الجريمة وبدء العلاج لما افسدنا!

إنه من الواضح جدا طيلة تاريخنا عدم وعي أو اهتمام سلطاتنا التي تناوبت على حكم البلد لأمر البيئة ولما تعاني، بل إن جميع من حكم هذا البلد شارك بكثير أو قليل في جريمة تحطيم وتدمير أجمل بيئة عرفتها هذه المنطقة المداربة من إفريقيا والتي كانت تشكل فيها (السافانا) جنة لنمو وتوطين وعيش عشرات النوعيات من الحيوانات الإفريقية- الصحراوية من الظباء والمهى والغزلان بمختلف نوعياتها وغير ذلك وعشرات أنواع الطيور الجميلة وفي مقدمتها النعام والدجاج البري والدرج والقطا والحبارى والأوز والحمام وأنواع أخرى مختلفة
لقد شارك أهل البلد كلهم حكاما ومحكومين فيما تعرضت له بيئتنا من تدمير وإنه لشيء في منتهى الغرابة استمرارنا حتى اليوم نمارس نفس السياسات وننهج نفس النهج بممارسة التدمير ومشاركة الجميع فيه و بالإهمال وعدم وقف استمرار العداء للمحيط سواء باالمباشرة بتقتيل الحيونات وهو الذي شارك فيه الكثيرون أو بقطع الأشجار وحرقها بالحرائق التي لا تبقي ولا تذر أو لحرقه من أجل الفحم الأمر الذي يزال يمارس على نطاق واسع.

إننا اليوم وفي الوقت الذي بلغ وضع البيئة مابلغ من التدهور يصعب تصور استمرار حكومة تهتم لأمر الوطن وتضم في تشكيلتها وزارة للبيئة تتعامل مع الوضع الكارثي للبيئة بهذا المستوى من اللامبالات الذي سيجعل الوضع يتدهور إلى الحد الذي يستحيل علاجه إذا استمر تدهوره أكثر مما بلغ الآن.!!!

إن وضعا كارثيا كوضعنا الذي نعيش فيه مع قطعان مواشينا المقدرة ب: ٢٠ مليون رأس بين الأغنام والأبقار والإبل والتي نعتمد في تربيتها على أقل من
٢٠% من مساحة التراب الوطني التي مازالت قادرة على إنبات العشب إذا وجدت الأمطار ولولا ماتوفره الشقيقتان مالي والسينغال لما استطعنا المحافظة على هذه الأعداد التي بفضلها مانزال نملك ثروة هامة تبلغ ملايين رؤوس المواشي ذات الأهمية غير المحدودة لعدد غير قليل من السكان، فوضع مثل وضعنا يتطلب روحا غير الروح التي يتحلا بها مسؤولنا واهتماما غير اهتمامهم.
فرغم إرهاصات بسيطة كإنشاء شرطة للبيئة لم نعلم
بعد مهامها ورغم تصريحات لوزيرة البيئة تحدثت عن خطر التصحر رغم كل تلك الإرهاصات لم نرى اهتماما حقيقيا مقترنا بإجراآت تؤشر إلى شكل من السياسات الهادفة لوقف التدهور أولا ثم العمل للعلاج بعد ذلك..

إن التعامل مع هذه السنة التي من الله علينا فيها بموسم ممطر أنبتت فيه الأرض على نطاق واسع وامتلأت المراعي بالحشائش والأشجار وكان التوقع أن تتعامل السلطات مع هذه السنة التي تعتبر فرصة بما يضمن أقصى درجات الأستفادة من إنبات الأعشاب وتحسين المراعي لكن مستوى اهتمام السلطات بحماية مراعي هذه السنة كان صادما عندما تم تخصيص ٧٥ مليون أوقية قديمة للعمل ضد الحرائق!! فهذا المستوى من الاهتمام يظهر عدم اهتمام السلطة لحماية المراعي ورعاية ماتبقى من بيئتنا المدمرة، لأن هذا المبلغ لا يكفي الحوض الغربي وحده والذي تبلغ مساحته ٥٨ ألف كيلومتر مربع فقط فكيف يستطيع هذا المبلغ توفير الوقاية من الحريق لكل المساحات في ترارز ولبراكنة وغورغل وغيدي ماغه ولعصابة والحوضين ؟علما أن الحوض الشرقي وحده تبلغ مساحته : ١٩٠ ألف كيلومتر مربع وفيه العدد الأكبر من المواشي...
فتخصيص ٧٥ مليون للحماية من الحرائق في هذه السنة توضح استمرار عدم الأهتمام بواقع البيئة المتهالكة وعدم الاهتمام بالكارثة التي تنتظر البلد إذا تعرضت ملايين رؤوس الحيوانات للنفوق بسبب الجدب وانعدام المراعي!!!

إن مبلغ مليار أوقية إذا استطاع توفير ظروف حماية من الحرائق يكون قد صرف في مكانه المناسب فهذا موسم الخريف لم يمض على توقفه إلا أياما معدودات ونرى الحرائق بدأت تلتهم المراعي في مناطق مختلفة في ولايات مختلفة وبعضها التهمت الاشجار والحشائش في مناطق واسعة ونخشى أن يكون الوضع أسوأ في الأيام القادمة لأن الجهد المبذول دون المستوى المطلوب.

لقد حان الوقت بل تأخر التَحَيُنُ لوضع مسألة البيئة في أولوية الأولويات ولتدشين جهد يناسب متطلبات حماية الموجود و وضع حزم من الإجراءات الحمائية والتطويرية العاجلة والتخطيط والمباشرة بتقويم وتطوير إعادة تأهيل مناطق واسعة يمكن بها بدء عمل طويل واسع وعميق يكون مفتتح عمل جديد لمرحلة جديدة بطموح وعقل جديد تأخر كثيرا وجوده !!!

 

 

 

7. نوفمبر 2020 - 14:03

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا