كلمة الإصلاح ما زال اقتراح الأخ الخليل النحوي - أطال الله بقاءه وأيده بتوفيق منه يلقي ربه به وهو عنه راض – ما زال اقتراحه في غربلة الدين الخالص تأمرني أمرا يشق علي تجاهله بأن لا أترك الفرصة تضيع علي دون كتابة ما ينفع هذا البشر الموريتاني ليعلم أن اللقاء في الساعات الأولي من لقاء ربه بعد هذه الحياة سيكون مع الله فقط ، وذلك لإيماني الراسخ ولله الحمد بأن أول من يقف الإنسان أمامه بعد موته هو الله عز وجل جلاله وحده ، ولا إذن ولا شفاعة لأي شخص آخر في الحضور لهذا المثول الأول أمام الله إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء في الحضور ويرضي عن الشخص ، وذلك الرضي – لعمري – لا يعرفه نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا أي إنسان أراد الله صلاحه في هذه الدنيا بتوفيقه له في هذا الدين الإسلامي الحنيف.
ودليلي على هذا هو القرآن الكريم الذي أقسم الله أنه حق مثل ما أننا ننطق، يقول تعالي: ((وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضي))، أما موقف غير الملائكة فإن الإنسانية كلها أٌقربها إلي الله الأنبياء وإمامهم محمد صلي الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى وقد أوضح لنا في أحاديثه الصحيحة موقفه العام من أمته كلها من استقام منها ومن بدل بعده وموقفه من أخص الخاصية من قومه وقربائه المؤمنين به والمصدقين له ساعة رسالته.
ومن هنا فعلي الجميع أن يطوي التعلق فيما قيل ودون من كتب العلاقة الخاصة التي تتدخل بين الله وأي نسمة وصل عمرها للمسؤولية أمام الله بعد موتها، كل ما قيل في ذلك بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم إلى يوم زلزلة الساعة التي تذهل فيها كل مرضعة عما أرضعت لا سند له في القرآن بالنسبة لكل إنسان إلى ساعة وصول الروح إلى الحلقوم مودعة الجسد في تلك الساعة على الأقل ومنتهية عن الدنيا قطعا.
فهذه الحالة العامة لكل إنسان جلية الظهور في القرآن بحيث لا يشك فيها إلا من كان من الضحايا الكثيرين للشيطان الذي أذن الله له في إضلال غير عباده المخلصين له يقول تعالي: ((ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا))، أما أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم الصحيحة فهي أكثر وأوضح لمن يطلبها في هذا الصدد كما قال صلي الله عليه وسلم مخاطبا لجميع أمته في عدم تحمله لأي مظلمة عن أي أحد : ( ألا لا لألفين أحدا منكم ،،،، ) وعدد هنا جميع المظالم مصورا بكلماته الواضحة المشهد كما هو بحجة الخيل ورغاء البعير وثغاء الشاة إلي آخر الحديث الصحيح.
إن هذه الحالة التي هي مصير كل إنسان وهي وقوفه أمام الله بعد موته يسمع ويبصر كما قال تعالي : (( أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين )) ويوم الإتيان إلي الله هو يوم الموت يقول تعالي : (( قل يتوفاكم ملك الموت ثم إلي ربكم ترجعون )) ، كل هذه الحقائق حاول الإنسان بإغراء الشيطان له أن يقضي عليها في القرون التي تلت وفاة النبي صلي الله عليه وسلم وأن يبدلها بطرق تزعم أنها أقصر منها إلي الجنة لأن من يعبد بها جالسا معهم ويخيل للإنسان أن نتيجتها تري بالعين المجردة ، ويقين ذلك ينسي في فحوي كلمات الله المجردة الواضحة دون أي تعليق يقول الله تعالي : (( واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق )) ووعد الله الحق هو قوله : (( اليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم )) ، ومن هنا يظن قاصري النظر أو من جعل الله علي قلبه غشاوة أن التمثيل بعدم نفع الآباء والأبناء فيما بينهما لا يعني إلا العلاقة في النسب ، فالأب والإبن قد يكونا صالحين لكن علاقتهما مهما كانت لا تتدخل ما بين الله والانسان فالله خلقه ورزقه وحفظه في الدنيا وهو أسرع الحاسبين يقول تعالي : (( وعرضوا علي ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكموا أول مرة بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا)) وفي آية أخرى ولقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نري معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون )).
فلأجل الموقف الواضح من الأخ الإنسان الموريتاني، فعلي من يريد أن يغربل له الدين الخالص حتي يخرج من ورطة غفلته الحالية التي هو بها حتي يأتيه يوم لا مرد له من الله ولا ملجأ ولا نكير كما قال تعالي: ((واتقوا يوما ترجعون فيه إلي الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهو لا يظلمون)) وذلك لعمل ما يلي:
تنبيه الحكومة المسلمة أن جميع أفرادها ذهب مثلهم الآن إلي ربه ولا يعرفون عنه ما ذا قيل له وماذا فعل به وأين هو الآن ؟ هل في عذاب مقيم لا قدر الله أو في جنات النعيم متكئين علي الأرائك إلي آخر النعيم ، وذلك ما نرجو لهم من عفو الله تبعا لإيمانهم القلبي ، فرؤساء موريتانيا ذهب منهم الآن أربعة إلي ربهم وما من وزارة إلا وقد ذهب بعض مسيريها إلي ربهم ومع ذلك هم علي الروتين الذي يحتاج الغربلة في الحياة قبل الموت ، فالمؤمن الذي يعرف الآيات القرآنية وفحواها العامل في الإنسان عندما يري الرئيس يستقبل بالحفاوة الدنيوية أو يري الوزراء خارجين من عملهم بلباسهم المنتقي ، وينظر إلي مشاعرهم الظاهرة ، فلا بد أن يبعثه الواقع الحقيقي بالضحك علي تصور هؤلاء لأنفسهم في الوقت الراهن علي الأقل ، فهؤلاء عندما يريدون الغربلة للدين الخالص يقولون الحقيقة للكل كل فيما يخصه ، فالرئيس له أوامره من الله الخاصة وله توجيه الرسول صلي الله عليه وسلم كذلك ولكل وزير توجيه في عمله من الله ، وبعد تلك الغربلة فعلي من يريد أن يتجاوز بغربلته إلي الشعب الموريتاني الآخر ويوجههم إلي الله الذي خلق أبناء موريتانيا فوق أرضها الذين ذهبت أرواح ما ولد منهم قبل الاستقلال بأربعين سنة وما قبل ذلك وبقيت أجسادهم تحت أرض موريتانيا ، والحاضر سوف يكون كذلك بعد قليل : (( ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين )) ، وهذا ليس وعظا فقط ولكن واقعا معاشا ، فقوله تعالي : (( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون )) ليس وعظا فقط بل واقعا معترفا به بالقوة كما يقول المناطقة ، فعلي المغربلين الذين يريدون أن يغربلوا اجتهاد مالك في تفسير النصوص المحكمة الذي جسده الشيخ خليل في كتابه الذي مزج فيه الأحكام المنصوصة في القرآن وأحاديث النبي صلي الله عليه وسلم مع فهم الإمام مالك لتلك الآيات القرآنية وأحاديث النبي صلي الله عليه وسلم وألفه في زمن عنده اعتبار إطلاق النية واختصاصها وإعمال العرف والعادات والتقاليد إلي آخره ، حيث يبيح فقه الإسلام ذلك الاعتبار حسب الزمان والمكان.
كل تفكير يحاول أن يكون فهمه للفقه الحالي مطابقا لما يجري بين الناس دون مراعاة النظرية العامة الوسطية المبثوثة في توجيهات القرآن العامة فستكون غربلته تابعة للأغراض وليست الأغراض تابعة لغربلته الدينية الخالصة.
وخلاصة هذين المقالين في موضوع الغربلة الدينية هو ما يلي:
أولا : هو أن الدين الذي جاء به النبي صلي الله عليه وسلم واضح في القرآن وفي السنة وعندما يذهب عنه أي أحد إلي أي مذهب أو طريقة ،،،،، فإن الحساب سيكون مع الله وحده جل جلاله بدون استثناء أي مخلوق خلقه الله علي أرض موريتانيا أو غيرها.
ثانيا : تحتاج الحكومة بما فيها الرئيس لإنسانيتهم أن يتنبهوا لما كلفهم الله به في حياتهم قبل وفاتهم.
ثالثا : جميع الشعب أمامه المساواة الكاملة في السؤال وما يترتب علي ذلك من الجزاء خيرا أو شرا.
رابعا : غربلة الدين في غير العقيدة والعبادة المنصوصة عليها غير محتاجة لأي تدخل إلا لتعلمها كما هي : أما يطرأ من المعاملات فيما بين الناس فقواعده العامة ظاهرة وتتغير حسب الزمان والمكان ولكن بدون أن تتجاوز قوله تعالي : (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون )) ، أما العقيدة والعبادة فقوله تعالي : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر )) فهي كفيلة وحدها بإنارة الطريق لمن يريد الله له السلوك علي هدايتها.