عند ما ينتشر الفقر في أوصال أمة فإن النفاق يأخذ طريقه إلى نفوس أفرادها و تذهب كل قيمها المميزة أدراج الرياح فالفقر آفة تضعف الإيمان في النفوس و تفتح الباب على
مصراعيه لكل أمراض القلوب. في فنائه القذر تنتعش الفاحشة فتبيع الحرة ثديها و يفقد الرجل رجولته و يتربع المتسلط على الرقاب فيعبث فيها لإرضاء نزواته التسلطية و يهين الأخ أخاه و تهد أركان الدولة حتى يستبيح حماها من شاء. الفقر هو مولد الثورات والجريمة و قتله من أحق الواجبات للإبقاء على الأمة صالحة و ضمان استقرارها و أمنها امتثالا لقولة علي كرم الله وجهه الخالدة " لو كان الفقر رجلا لقتلته"
حديثا عرف البنك الدولي الفقر بأنه "... عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة" و هو ظاهرة من أهم وأقدم المعضلات التي شهدتها المجتمعات وقرأتها النظريات الاقتصادية والاجتماعية ، ويرتبط التراث التاريخي لهذه الظاهرة بالفوارق الكبيرة في الثروة وبوجود أفراد أثرياء يبسطون هيمنتهم على من يحيط بهم أو أمم غنية تجد من مصلحتها إبقاء الأمم الأخرى في حالة فقر مستمر لتظل في حاجة إليها. قديما قال أرسطو" الفقر هو مولد الثورات والجريمة" و قال علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه "لو كان الفقر رجلا لقتلته". و الحقيقة أن الفقر هو من أخطر القضايا وأكثرها تعقيدا وقياسا وقراءة ، فهو ينطق عن مفارقة واقعية تجمع مابين السبب والنتيجة، ، و ثبت عبر التاريخ أن الفقر كان أحد الأسباب الرئيسية العديدة للثورات الاجتماعية والسياسية الكبرى في التاريخ الإنساني. في سعيهم المحموم إلى السلطة يلعب عادة كل الفاعلين السياسيين على وتر "الفقر" الحساس لجلب انتباه الفقراء الذين يشكلون دائما السواد الأعظم من السكان قاصدين ربح أصواتهم فيطلقوا الوعود المغرية المضمنة برامج مثالية و مقننة. و الحقيقة أنه اختيار موضوع الفقر كفرس رهان لكسب ود الذين يعانون من وطأته اختيار موفق مشروع إلا أنه من المفروض في واقع الأمر أن يكون مصحوبا بإرادة حقيقية للتصدي لأسبابه المادية و المعنوية و للسعي المسلح بالجرأة و التفاني الضروريين لاقتلاعها من جذورها. و لا تمكن مكافحة الفقر بشكل جاد في ظل وجود أقطاب تمتلك المال الذي تسخره فقط - في حقل ضيق - للعمل السياسي الساعي إلى السلطة و قوتها. و لأن مكافحة الفقر تتطلب بعد نظر لتشخيص أسبابه و تصور حلول ناجعة له في الزمان و المكان، فإن حماية الخيرات التي تزخر بها البلاد يجب أن تكون أولوية تتردد بقوة في الخطاب السياسي و المسطرة العملية لكل حزب، و أن يقدم حولها السياسيون بإسهاب و علمية رصينة مقترحات عملية و تصورات منطقية ترسم في الأفق سياسة تقسيم ناجع لهذه الخيرات في قالب تنموي يأخذ بالحسبان كل متطلبات الشعب من أجل حياة كريمة يؤمنها العدل و الاستقرار. بهذا التوجه وحده تكسب الأحزاب كلها ثقة المواطن و تنفح أمامها الحظوظ في التناوب السلمي لتنعم البلد بفوائد كل برامجها التي تصب على اختلافها في التصور و المنهج في خانة تطوير البلد و إسعاد مواطنيه. و يبقى إذا أن تراجع كل الأحزاب السياسية موالاة و معارضة مسطراتها النضالية و أن ترتب من جديد أوراقها من الخطابية و الفلسفة و المنهج لتضع حسب الأولويات التي يفرضها منطق واقع البلد الصعب و ضرورة أن يحدث ذلك بأسرع ما يمكن.