مما لاشك فـيه أن الثقافة الشرقـية بصورة عامة تختلفة شكلا ومضمونا عن الثقافة الغربية . ولكن هـذا الإخـتلاف لا يعـنى عـدم صلاحية هـذه أو تلك، كما أنه لا يعـنى أن أي منهما قـد تقود روادها حتما إلى الخراب أوالدمار. ومن الملاحظ أن أغلب المعـتقدات والشعائر الإسلامية تبدو للغربيين، غير المسلمين، غـريبة وفى بعض الأحيان منافـية لمبادء الحرية. وفى نفس الوقت، لا يرى المسلمون أهمية فى أغلب المعتقـدات الغربية وخاصة ما يتـنافى منها مع تعاليم السيد المسيح (عليه السلام) . وأفضل مثال على إشكالية تقـيـيم ثقافة الآخرهـذه ، هو الإختلاف على تحـديـد مفهوم الحرية ، وحـدودها . حيث أن الغربيين يؤكـدون فى مراجعهم الأكاديمية أن حرية الفرد يجب أن تنتهى عـندما تبـدأ حرية الآخرين، إلا أنهم يصرون على عـدم إحترام هـذه المسلمة عـندما يتعلق الأمر بالمعتقـدات وبالمشاعـر الإسلامية. وهـكذا فإنهم يُـلخصون تقـييمهم للـدين الإسلامى فى إنتقاد رسول الإسلام (عليه الصلاة والسلام) محمد إبـن عبد الله. ولـكن، لو كان هـذا الإنتقاد لرسول الإسلام إنتقادا موضوعـيا لكان ذلك مقبولا شـيـئا ما ، ولكن الإشكالية هي أن هـذا الإنتقاد يتلخص فى تقديم رسول الإسلام فى صور كاريكاتورية لا معنى لها. ومهما يكن، فإنه إذا كان من الممكن إنتقاد رجال الدين فى الغرب بواسطة التصوير الكاريكاتورى، فإن الثقافة الإسلامية لا تجيز هـذا الشكل من الإنتقاد، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بشخصية عظيمة كرسول الإسلام (عليه أفضل الصلاة والسلام) أو بأصحابه أوخلفائه . وحسب الثقافة الإسلامية فإن النقـد البناء يجب أن يعالج المحتوى، أي لب المسألة موضع الإهـتمام بدل نقد الشكل وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بموضوع بالغ الأهـمية مثل موضوع الدين والعـقـيدة. و فى نفس الوقت فإنه لا يجوز لأي كاتب، أو باحث أن ينزعج بسبب إنـتقادات موضوعـية وجهت له بخصوص إنتاجه الفكرى، وفى نفس الوقت يجب أن نـتقـبل النقد البناء مهما كان مصدره. أتذكر فى هـذا السياق إنزعاج الكاتب الإيرانى-الأمريكى (السيد: رازا - عزلان) من سيل الإنتقادات التى وُجهت له مباشرة عـقِب إصداره لكتاب عن النبي عسى إبن مريم (رضي الله عنه) بعنوان: (الثائر: حياة عسى ووصف للفترة الزمنية التى عاش فيها) مع أنه لم يذكر إلا حقائق تاريخية تتعلق بالنبي عيسى والفترة التى عاش فيها، ولم يتضمن الكتاب أي إنتقاد للنبي عسى ولا للديانة المسيحية على الإطلاق . ومن الغريب جـدا كيف أن الغربيين لم يحاولوا أبدا تقـيـيم الدين الإسلامى بالديانات الأخرى، أو مقارنة إنجازات رسول الإسلام بإنجازات أعظم عظماء الغرب على مر العصور ، إبتداء من سقراط وحتى القائـد الفرنسى الفريق (شارل – ديكول). ولو أنهـم حاولو إجراء هـذه المقـارنة، وكانت عادلة، وموضوعـية، لعرفو مقدار رسول الإسلام، الذى بدأ وحـيدا وإستطاع فى حياته أن يُـنجز ما عجز عن إنجازه كل مفكرى الغرب وقادته العسكريين على مر العصور. فمثلا: لم يكن الزعـيم الفرنسى "شارل ديكول" لينجز ما أنجزه من إنتصارات خلال الحرب العالمية الثانية لو لا الدعـم المادى، والمعنوى، والإستراتيجى الذى حظي به من بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية. ومع هـذا يظل نجاحه محصورا فى مجال ضيق جد لا يتعـدى نجاحا سياسيا وعسكريا مشروطا بمساعـدة أجنبية. أما العالم الألمانى "كاتفريد – ولهلم – ليـبنـيس" الذى يعتبر عبقريا فى المجال العلمى حيث أنه هـو الذى أبتكر ثانى جـهاز "حاسوب" بعد العالم الفرنسى "أبليز – باسكال" فلم يتعـدى مجاله، ولا مجال (باسكال) عالم الفكر ، مع أن فكرهم إقـتصر على محاولات لإبتكارات أغلبها فاشلة. وفى المجال الفلسفى والنقد الدينى (وهونقد إقـتصر على نقد الكنيسة) فـقد لمع الكثير من المفكرين فى "أروبا" إبتداء من القرن السابع عشر. ومن أبرز ما لمع فى تلك الحقبة "رينى- ديكارت: الذى لم يكن لينال ما نال من شهرة لو لا جملته التى أعطاها الغرب أكثر مما تستحق وهي (أنا أفكر إذن أنا موجود). أما "باروش- أسبينوزا" فإنه لم يُـعرف إلا بِـكُـفـره بالدين اليهودى، بالإضافة إلى زهـده و نجاحه إعطاء تعريفات فلسفية لبعض المصطلحات مثل السعادة ، والحب إلى غير ذلك . و لم يشتهر الفيلسوف الألمانى "إمانويل- كانت" هو الآخر سوى بنظريته (نقد العقل المحض). أما " وجورج- ولهلم- أفريدريك - هـيكل" فلم يعرف إلا بنظريته (جدلية السيد و العـبد). كما يقتصر فكر "وإفريدريك-نيتش" على رفضه للدين جملة وتفصيلا و نزعـته لإهمية القوة فى بناء أو تطور الأمم. أما الفيلسوف الفرنسى " وشارل- لويس- مونتسكيه" فقد إقتصرت فلسفته على محاولة التمييز بين الحكم الملكى والحكم الجمهوريى. كما أشتهر المفكر الفرنسى "فولتير" بكتاباته الأدبية الساخرة، أولا ثم بآرائه الفلسفية لاحقا، ولكن كل ذلك كان مقتصرا على منا داته لمزيد من الحرية للشعوب الأربية المقهورة. أما الفيلسوف الفرنسى "جان – جاك – روسو" والذى أشتهر بحبه للطبيعة فقد إقتصرت أفكاره على محاولة لتطويرمفهوم الديموقراطية. ولم يكن ليعرف الفيلسوف الإنجـليزى "هـوبز" لو لا نظريته (الإنسان ثعلب بالنسبة لأخيه الإنسان) والتى ظهرت فى كتابه "لـيفـياتان". أما " نيكولاس – ميكيافيل" و"ديفد-أهيوم" و "جون-لاك" فقد كانو بالطبع فلاسفة كبار ولكن تأثيرهم إقتصرفقط على فلسفة الحكم . هـؤلاء كلهم بدون إستثناء وغيرهم ممن يضيق الوقت عن ذكرهـم، كانوا متخصصين فى الفلسفة و أكثرهم تميز برفض الدين من حيث الأصل وليس لهم رأي مهما يكن بساطته فى مجالات الحياة الأخرى مثل الإقتصاد، والقانون، والإستراتيجية الحربية إلى غير ذلك من الأمور. أما "كارل – ماركس" و "آدم – أسميث" فكانا فعلا مجـد دين فى مجال الإقتصاد السياسى ولكن نشاطهم إقتصر على آرائهم فى الإقتصاد السياسى . ومع أنه لا أحد ينكر أهـمية الإنجازات العلمية للمفكر العبقرى "آلبرت - آينشتاين" إلا أنه كذلك لا أحد ينكر أن السيد (آنشتاين) لم يكن له إهـتمام غير علم "الفيزيا". كما حاول كل من "ديكارت" و "نيتش" حمل السلاح وفشل كل من هما فى أن يكون رجلا عسكريا. أما جملة السيد (هـيكل) المشهورة (رأيت الإمراطور) ويعنى بذلك الإمراطور الفرنسى "نابليون- بونابارت" عـند دخوله ألمانيا غازيا، فكانت برهانا واضحا على عـدم إهتمامه بالأمور الحربية والإستراتيجية. أما فيما يخص رسول الإسلام محمد (عليه الصلاة والسلام) فلن يكون بوسعى الإحاطة بميادين إختصاصه ولا مجالات إنجازاته، لأنها شملت كل مجالات الحياة البشرية، لذا فلا يمكن مقارنته إلا بنفسه. فـبعكس نجاحات عظماء الغرب التى تعـتمد كلها، إما على أساسٍ معرفي أو عسكري أو تنظيمي، فرسول الإسلام قـد حقق ما حقـقه إعتمادا على قدراته الذاتية فقط التى منحها الله له فهـو الذى وقف وحيدا ولسنوات من أجل الدفاع عن الإنسانية وإرساء العدل والحرية، ونشرِ ثقافة التسامح حتى أقام أمة سميت فى حياته بالأمة الإسلامية. إذن، فقد نجح رسول الإسلام محمد فى حياته وما زالت نجاحاته مستمرة إلى يومنا هـذأ. وبعكس أشهر القادة الغربيين المرموقين مثل: القائد المقدونى "ألكزندر الأكبر" و الإمراطور الفرنسى "نابليون – بونابارت"، والمستشار الألمانى "آدولف – هـيتلر" والرئيس الفرنسى الأسبق "شارل –ديكول" فإن الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) كان رجلا عسكريا ناجحا، وكان رجلا سياسيا عبقريا، وكان رجل سلم وداعـية دينى، عـُرف عـنه أنه كان يهـتم بأدق أمور رعـيته وفى نفس الوقت يفاوض العدو، ويقود الجيوش، ويصدر أوامر لتدبير أمور الدولة . أما "هــيتلر" و"بونابارت" وغـيرهم من القادة العسكريين الغربيين، فلم يكن يهـمهم غير توسيع إمراطورياتهم. وبعكس مفكرى ما يسمى بقرن الأضواء فى "أوروبا" (القرن الثامن عشر) والذين كان جلهم فلاسفة رافضين للديانة المسيحية وللحكم الملكى، فإن هـمهم لم يكن يتعدى المطالبة بالحرية ، والعدالة الإجتماعية، وإرساء ما يسمى بالحكم الجمهورى بدل الحكم الملكى ، فإن إنجازات محمد (عليه الصلاة والسلام ) شملت كل ميادين الحياة البشرية. فمن خلال القرءان والسنة النبوية تعلم المسلمون مبادء لدينٍ شامل يعالج كل نواحى الحياة البشرية مثل: (العقيدة، و العبادات، والمعاملات، والأخلاق). كما فتح القرءان الباب أمام المهتمين بالعلوم الدنيوية فأصبح للمسلمين علومهم التى أضاءت سماء "أوربا" وأخرجتها من ظلمات الجهل والظلم وإستعباد الضعفاء . وشملت العلوم المقـتبـسة من القرءان والتى كانت سببا فى هـداية كثير من العلماء الغربيين المشهورين إلى الدين الإسلامى : الميتافيزيقيا، والفلسفة الإسلامية، والسياسة، وعلم الإجنة، وعلم الفلك، والجولوجيا، والفيزيا، والكيميا، بالإضافة إلى علـوم التوحيد و الفقه الإسلامى . وحسب المفكر الفرنسى المتخصص فى علم اللسانيات "آلين – ريْ" فإن "أروبا" لم تكن لتنهض فكريا، لولا الإنتاج الفكرى لعلماء المسلمين الذى تُـرجم إلى أكثر اللغات الأربية أمثال: العالم الفـذ السيد الرئيس أبن سينا، والفارابى، وإبن رشد، هـذا الإنتاج الذى تُرجم إلى إغلب اللغات الأربية. كما أوضح أنه لولا المسلمين و العرب لما وصلت "أوروبا" كتب العالم الغربى "أريسطو" وإذن لـظلت "أوروبا" تئن فى ظلمات الجهل حتى يومنا هـذا. إذن فقد حان الوقت للأمة الأربية أن تعترف بأهمية الدين الإسلامى فى بناء حضارتهم، وقد حان الوقت أن أن يكفو عن إنتقاد الإسلام والتحقير بالعرب ورسول الإسلام محمد (عليه الصلاة والسلام). وإذ أقول قولى هـذا فإن هنالك أصواتا غربية تطالب بما أطالب به. فهـذا الفيلسوف الفرنسى المعاصر "ميشل – وون فري" الذى يرى أنه يجب على الغربيين أن يكفو عن تشويه الإسلام، وكذا إنتقاد رسول الإسلام محمد (عليه الصلاة والسلام) وأن يكفو عن محاولة إدماج المسلمين فى المجتمعات الغربية لأن للمسلمين حضارة عريقة لا يمكن طمسها ولا إختزالها فى ثقافة أو حضارة أخرى مهما كانت تلك الحضارة أو الثقافة. ومع أن السيد "وونفري" رجلا ملحدا وله طريقته الخاصة فى محاربة الإسلام، إلا أنه يرى أن الغرب قـد بالغ فى إيـذاء المسلمين، وأنهم يجب أن يكفو عـن التدخل فى شؤون المسلمين. أما أنا فإننى على يقين من أن المشاركين فى الحملات الدعائية ضد الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) يعملون أنهم، بمحاولاتهم تشويه رسول الإسلام محمد (عليه الصلاة والسلام) إنما يحاولون تشويه صورة الإسلام، ولكن بسبب الفرق الشاسع بين الدين الإسلامى والفكر الغربى من حيث الشمولية والدقة و الثراء، فإنه ليس لدى هـؤلاء سوى الإكتفاء بإستخدام أقدم طريقة للنقد أو التشويه التى تعتمد على التمثيل بالصور الكاريكاتورية. وكلى أمل فى أن يفهم الغرب عظمة الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) ومضمون رسالته لكي يتوقفو عن معاداته الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) وأن يكفو عن محاربة الدين الإسلامى، مثل ما يفعلون مع كل الديانات الأخرى مثل (البوذية، واليهودية، والهندوس، والسيخ، والبهائيين).
كـتبت هـذا المقال باللغة الفرنسية أصلا مساهمة منى فى الدفاع عن الجناب النبوى، ثم أرتأيت أن أترجمه إلى اللغة العربية والإنجليزية لكي يكون ذلك وسيلة لإبلاغ الحجة للناطقين بهـذه اللغة أو تلك ممن تشبعوا بالثقافة الغربية.
والله ولي التوفيق.