أو يذبح الوطن على هيكل الأهواء / الولي ولد سيدي هيبه

altفي هدوء هذه البلاد النسبي و نبذ مواطنيها الغريزي للعنف المادي و البعد عن استباحة الممتلكات عمومية كانت أم خاصة، يعشعش متقدا في حرارته بركان من حمم المتناقضات يربطها خيط استياء عام و نواة غضب عارم دفين.

و إذ الأمر بهذه الحدة فإن أفراد النخبة، المنوط بهم تدارك الأمور قبل فوات الأوان، هم على غير المتوقع من يدفعون – لا قدر الله – في اتجاه ثورة البركان و إحراق الأخضر و اليابس و حجز مكان البلد في صفوف دائرة اختصاص و احتضان منظمات غوث اللاجئين و اليونيسف الفاوو.

و لا شك أن التوتر المتزايد وما يغذيه من نداءات علنية تطلقها بعض أحزاب المعارضة للتمرد والثورة والفوضى والتغييرات اللادستورية العنيفة – رغم أن هذا الجزء من المعارضة – و ذا وجه المرارة في الأمر – يطبع مكوناته عدم التجانس و التطابق في الرؤى و الخطابات و الفلسفات حيث لا يجمعها سوى معاداة رجل لأجل السلطة لا غير ، و من جهة أخرى تمادي الأغلبية الموالية للسلطة في الإحجام عن لعب دور كان من المفروض أن تمسك به طرفي العقد المنفرط و ترأب الصدع الذي يهدد بانزلاق تربة هشة لوطن تسلخه التناقضات و هشاشة الوضع الاقتصادي على خلفية موجة حادة من الجفاف.

ثلاث جولات لكسب ود شعب ينوء تحت وطأة جبل من الهموم و المشاغل قامت بها:

أولا : زعامات أحزاب المعارضة الديمقراطية للكشف عن ما قالت إنه استهتار النظام بالسلطة و إغراق الدولة في متاهات الفساد و سوء الحكامة، ثانيا : قادة أحزاب المعارضة المحاورة لشرح ما توصلت إليه من نتائج و أبعاد حوار وطني قبلت به كأرضية للتلاقي حول القضايا الكبرى للأمة و للوطن.

ثالثا : بعثات حزب الاتحاد من أجل الجمهورية للتحسيس و شرح المنجزات التي تحققت خلال السنتين و النصف من مأمورية الرئيس محمد ولد عبد العزيز و للرد على حملة المعارضة الموازية.

و لم تفلح أي منها في صرف انتباه الشعب إليها و لا الاستماع – بما تطلبته هذه الرحلات المضنية و المكلفة – إلى ما أدلته به من خطاب سياسي نظري حملته لغة نخبوية عالمة لا تلامس شغاف نفوس المواطنين و لا مطالب حياتهم القاسية في جوهرها. أطراف ثلاثة ملزمة أكثر من أي وقت مضى أن تراجع آليتها في التعاطي مع متطلبات مرحلة دقيقة، إن تكن خارجة عن إرادتها في بعض جوانبها، كالجفاف و الأزمة الاقتصادية الدولية و تداعيات الأزمات الإقليمية و شبه الإقليمية، إلا أنها في بعض جوانبها الأخرى هي من تقع عليها بدءا و اختتاما، من منطلق مواقعها المتقدمة و أدوارها الجسيمة، مسؤولية الابتعاد المطلق عن لغة الغلو و التحريض و إغفال اللحمة الوطنية و السلم الاجتماعي الذين لا سبيل إلى الاستقرار و البناء و التنمية بدود توطيدهما و إحاطتهما بسور مانع من الوطنية القصوى و اعتبار قدسيتهما كأول أركان وجود الدولة و بقائها.

و لو أن هذا الكلام معاد إلا أنه لا بد من ترجمته بسرعة يتطلبها الوضع إلى واقع ملموس و لو كان الأمر مرتبطا بذهاب قوم عجزوا و استبدالهم بمن هم خيرا منهم… و ما ذلك على الله بعزيز.

عندما تنتصر الـ”أنا” عندما يسكر الإنسان حتى الثمالة بخمره حب الذات فإنه يبدء تلقائيا في السقوط في هاوية “الابتعاد عن إنسانيته” و يصبح أكثر افتراسا و فتكا من الضواري و الكواسر مجتمعة. حقيقة تثبتها الوقائع المتلاحقة في كل الأمصار التي ما يزال أهلها يغطون في سبات التخلف الحضاري. و إن السياسيين الذين بقي لهم ذكر في التاريخ مع الذين يصنعونه حثيثا هم من استطاعوا بكل تأكيد أن يلبسوا “أناهم” حلة من التجرد الأخاذ و يستجيبوا لمتطلبات “أنا” الآخر في التحام حميم أهلهم ثم دفعهم للصدارة و للريادة من بعد. فأين نخبنا كلها و السياسية منها المتدثرة بـ”أنا” أفرادها و المحلقة بأطماعهم الأنانية في السلطة بكل ثمن، من سمو الإنسانية الذي إن أحسن لا يمنع من القيادة… التي ستكون حتما في سبيل الحكامة الرشيدة المطلوبة بإلحاح.

17. يونيو 2012 - 15:25

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا