شاءت مشيئة العزيز الجبار أن تكون الحياة سلسلة من التغيرات والتطورات تنشؤ عنها الأمم وتنمو وتزدهر ونتيجة عوامل من داخلها أحيانا ومن خارجها أحايين أخرى تبدء التفكك والانحلال والذبول ثم تنمو أمم أخرى وأشكال للحياة جديدة بإحلال مخلوقات مكان أخرى أو اندماج واختلاط يكون مُفْتَتَحَ تطور ونمو لفترة ومرحلة تطول أو تقصر في سلسلة مستمرة وصيرورة أزلية تدفعها أحداث سياسية أو حربية أو اجتماعية تقوى وتضعف تخف وتعنف نتيجتها تتكون وتنشؤ دول وتزول حضارات وتذوب أقوام وشعوب يحتل شعب مكان شعب يندمج شعب بشعب ويجاور شعب شعبا يتفاعلان يتعاونان يتصارعان يأخذ الكل من الآخر ويعطيه.
وفي هذه الصيرورة الأبدية والرحلة التاريخية تتدخل عوامل ومؤثرات دينية واقتصادية تنجم عنها أحيانا طفرات وتغيرات هائلة كالذي حدث مع بزوغ الإسلام مذ القرن السادس ميلادي ومابعده حيث في خلال قرنين فقط انتشر في أكثرية مساحة العالم القديم في آسيا وإفريقيا وأوروبا وحدثت أثناء انتشار الإسلام وتمدد نفوذه نقلة نوعية في مستوى التفاعل بين الحضارات المختلفة وجددت نقلة نوعية في الثقافة والفنون ومختلف المعارف واستطاع العلماء والحكماء المسلمون في مختلف أطراف دولة الإسلام استيعاب وتمثل وتطوير خلاصات ماتوصل إليه اليونانيون من نظريات العقل وقواعد المنطق وما أنتجته تجارب الحياة المصرية والصينية والهندية في مختلف المجالات ومختلف الفنون وشكلت الثقافة العربية الإسلامية أقوى الجسور لتبادل التجارب والخبرات بين القارات الثلاثة وبلغت ديناميكية التفاعل الخلاق بين الأمم التي ارتبطت بالإسلام أو بعلاقات أخذ وعطاء مع الحواضر العربية الإسلامية من أطراف الصين مرورا بالسند والهند في شبه القارة الهندية وبالعراق والشام ،ومصر وتونس وحتى أوروبا في جنوب ايطاليا جزيرة صقلية وفي إسبانيا والبرتغال ..!!
لقد شكل ظهور الإسلام فاتحة عهد من التطور استمر يتقدم حتى وصل إلى مرحلة ماعرف بالنهضة ثم المرحلة الصناعية ثم التكنلوجية فالإلكترونية فالرقمية إلى ما سيأتي وما سيعقب الذي سيأتي في سلسلة من التطورات والتغيرات لايعلم كنهها ومدى ماستصل إليه في المستقبل إلا مالك الملك كلها تطورات وتبدلات و تغيرات كان للعرب والمسلمين الذين يقفون اليوم خارج التاريخ -لا في العير ولا في النفير- كانو المسؤولين عن انطلاق هذه الرحلة الأنسانية نحو التقدم أو على الأقل في مقدمة ركب الانطلاقة نحو هذا الواقع وذاك المستقبل الذي بلغ الآن ما بلغ على أياد مختلفة تكاد لايرى فيها أثر لأحفاد قادة الانطلاقة الأولى في هذه الرحلة الخارقة نحو الرقي والتطور غير المسبوق.
لقد أهتم الكثيرون بتطور وتقدم وانحلال وذبول الحضارات والكثيرون يذكرون ابن خلدون ومقدمته لكتابه المبتدأ والخبر تلك المقدمة التي صارت أشهر من الكتاب نفسه والتي خصصها لنشوء وارتقاء الحضارات وضعفها وانهيارها وأسباب ذلك واهتم كثيرا بتأثير الانغماس في مباهج الحياة والابتعاد عن الشظف والقسوة وتبديل العصبيات القرابية الأولية بالروابط الاجتماعية المدينية المختلطة كل ذلك جاء في إطار البحث عن نشوء وارتقاء المدنية وتدهورها وزوالها بوصفه أمرا يبعث على الاستغراب ويستاهل تفكيرا وفحصا يمكن من معرفة الأسباب والعوامل المؤدية للضعف والخواء الذي يصيب الأمم ويهيؤها للوهن والضعف وكل الأمراض والسلبيات ..
لقد ثبت لي باستقراء تاريخ الدولة العربية الإسلامية أن التدهور ليس بسبب قلة العدد فاعداد الأمم التي ضعفت وهزمت لم ينقص وليس من قلة المال فهلاكو المغولي عندما احتل بغداد أبقى على الخليفة من أجل أن يرشده على محتويات خزائنه و كنوزه وعند الاطلاع على أطنان سبائك الذهب ومختلف الجواهر لم يتمالك نفسه من سوء تصرف هذا الخليفة فقال له لو وزعت جزئا من هذا المال على رجال دولتك لدافعوا عنك وحموك من هذا المصير !! وليس الجهل وضعف التعليم هو السبب في تدهور وسقوط الأمم فسقوط دولة الإسلام في صقلية في ايطاليا ودولة الاندلس في إسبانيا وقع والعلم والأدب في أوج ازدهارهما واشتغال الناس بهما وكذلك كان الأمر في بغداد حيث تغير لون نهر دجلة من كثرة ما ألقي فيه من الكتب على يد المغول ويُتَحَدَثُ عن تدمير آلاف الجوامع التي كانت تعتمدللتعليم !!!
إن الذي يبدو أنه شديد التأثير على حيوية الأمم وقوتها ومنعتها هو الطموح السياسي وحيوية القيادات وخططها وبرامجها للمستقبل والتعبئة وبث الروح في المجتمع وحمله على تبني أهداف حياتية كبرى يتطلب تحقيقها البذل والتضحية .
فما نشهد من ضعف في مجتمعاتنا فبسبب طموحنا وخططنا وبرامجنا ومن رؤية قادتنا وأهل الرأي فينا إن التحجج بالتآمر الدولي الذي يسود أوساط المؤدلجين ليس سببا كافيا لتبرير التدهور والضعف الذي يسود واقعنا لقد تعرضت الجزائر الشقيقة لأخطر تآمر وأقوى عدوان جندت له الجيوش الجرارة وانتصر الشعب الجزائري العظيم رغم حجم التضحيات!!! وتعرضت الشعوب الفيتنامية والكوبية والكورية لصنوف التآمر والعدوان فتحطمت موجات التآمر على جدار تصميم هذه الشعوب على الصمود والمقاومة!!!
إن مصير أي شعب وأي أمة يتوقف على قدرة قيادتها
على تعبئة شعبها وتوجيهه الوجهة الصحيحة لحماية نفسه وتحقيق مصالحه ومستقبل ابنائه وهذا مايجعلنا نتساءل حول مستقبلنا وماذا بقى لنا من وقت ككيان تتهدده مشكلات ليس بالإمكان الاستمرار ما لم تواجه ويتم التقلب عليها ؟؟!!
إننا كمجتمع موريتاني لن نستطيع الاستمرار دون مواجهة مخلفات الرق وعدم المساوات إنها قنبلة تكبر وتتضخم في كل يوم يمر يزداد قرب انفجارها ويزداد خطرها وقوة تأثيرها ونحن نسير باطمئنان غير مبالين بما نحن فيه فشعبنا مقسم بعضه يكدح ويشقى في أسوء الأحوال وكل يوم يزداد إحساسه بالمرارة قوة والبعض الآخر من شعبنا يأنف عن ممارسة الكثير من الأعمال ويسعد بترفعه والمكانة التي يحتلها بلا معنى في السلم الاجتماعي ويهتم بكل شيء إلا علاج واقعه المتفجر، وجزء آخر من الشعب يشعر بنقص المشاركة التي يطمح إليها ونقص العدالة في الفرص ويقاوم ضد الإقصاء ولا يجد من يهتم لعلاج حاله وشفاء مرضه وتسير الأمور وكأن شيئا لم يكن.!
وفي الوقت الذي توجد مثل تلك المشاكل المهلكة داخل شعبنا المسكين يجري تسيير بلادنا بسفه و لامبالات قل وجود مثيل لهما في أي مكان في العالم تسببتا في تبديد ثرواتنا طيلة٧٠ سنة من عمر بلدنا ضاعت علينا فرص لاتعوض من عمرنا وظلينا فيها ندور في نفس المكان .. ودمرنا بيئتنا حتى لم يبقى منها مايمكن حفظه أو إصلاحه فهل نستطيع والحال هذه أن نسأل(( كم بقى لنا من الوقت في هذه الحياة ؟؟؟))