التساؤل دائم عن علاقة الاقتصاد بالسياسة، وفي الوقع إنك لا تستطيع الفصل بينهما حسب المقولة: إن الاقتصاد والسياسة توأمان لا ينفصلان.
الاقتصاد مرآة تعكس السياسة، فكل تطور اقتصادي يشهده أي بلد لا بد من أن يؤثر في وضعه السياسي، فإذاً التطور الاقتصادي يتطلب نظاماً ديمقراطياً مرنا قابل للمرونة والتعامل مع الازمات أي المرونة السياسية فكل منهما يخدم الآخر سلباً وإيجاباً.
فالعلاقة الوثيقة جداً بين الاثنين ركن أساسي في عمل ومبادئ أي دولة بأهداف محددة، بحيث إن أي تصرف خاطئ يؤتي بكارثة رغم الإمكانات الاقتصادية الجيدة لأي بلد، علماً أن هناك بلداناً تضع الهدف الاقتصادي هدفاً أساسياً لتجعل السياسة في خدمته، وقد اتبعت دول أوروبية وآسيوية هذا النهج واستطاعت بذلك النجاح في تجنب الصراعات السياسية.
ورغم التقدم في الفكر السياسي وتطوره إلا أن بعض دول العالم دفعت تكاليف باهظة مادياً وبشرياً وجعلتها تعيد النظر بسياساتها عندما لم تتحمل الخسائر، وأدت بها إلى انهيار مالي واقتصادي، وفي نفس الوقت من حق أي دولة الدفاع عن مصالحها وبناء علاقات اقتصادية مميزة، بحيث تكون وسيلة نجاح، لا تتغلب السياسة على الاقتصاد أو العكس، لأنه لا يمكن للاقتصاد أن يتحرر أو يتطور دون الوصول إلى نمو اقتصادي في ظل سياسات متخبطة، فالنمو يتطلب سياسات واضحة ومدروسة.
فالفكر الاقتصادي وهو جزء من علم الاقتصاد الذي يدرس التطورات الحاصلة في الاقتصاد خاصة النظريّة الاقتصاديّة بقسميها الكلي والجزئي، بالإضافة إلى الأفكار التي قدمها العلماء الاقتصاديون عبر الزمن مثل: آدم سميث، وابن خلدون، وماركس، وريكاردو، وكينز وغيرهم، كما يتعامل الفكر الاقتصادي مع المفكرين، والنظريات المتعلقة بعلم الاقتصاد والذي يُعرف بالاقتصاد السياسي منذ القدم حتى الآن، والذي يتضمن الكثير من مدارس الفكر الاقتصادي المختلفة.
ان العلاقة بين السياسة والاقتصاد ؛ مرهونة بشكل النظام السياسي فهناك أنظمة لا يمكن للاقتصاد فيها أن يتحرر ويصل الى التنمية الاقتصادية للبلد ، فالنمو الاقتصادي يتطلب سياسات واضحة وثابتة ومدروسة حتى يستطيع أن يستمد منها الاقتصاد مقومات نموه سواء من الداخل أو من الخارج والسياسات تحتاج الى مرونة التعامل والحكمة السياسية التي تجنب البلاد أزمات هو بغنى عنها أي يمكن تداركها بالإدراك السياسي الحكيم .
في الأنظمة الرأسمالية، الاقتصاد يدير السياسة، حيث العلاقة متشابكة مثيرة للاهتمام، فعندما تعصف مشاكل سياسية في بلد ما سيكون التأثير الأول الأكبر وبشكل واضح في الأداء الاقتصادي لهذا البلد. فعلم الاقتصاد السياسي أصعب من غيره، وهناك اختلاف في وجهات النظر بين الاقتصاديين حول هذا التعريف، ويظهر هذا التناقض عندما يتم اتخاذ القرارات المهمة، ولما لذلك من انعكاسات، مثلاً فإن العجز السياسي في اليونان كان سبباً في تفاقم المشاكل الاقتصادية، وفي إيطاليا حيث استطاع رئيس وزراء إيطاليا في عام 2012 إبعاد شبح الاضطرابات المالية ببراعته السياسية.
إذاً، كلما كان أي بلد مستقراً سياسياً، ساعد ذلك على زيادة النمو الاقتصادي، فعنصر الأمن والأمان في أي بلد هو حجر الزاوية في تفعيل الوضع الاقتصادي وجلب الاستثمارات، فإذا أخذنا قطاع السياحة على سبيل المثال لدولة تعد السياحة مصدراً أساسياً للدخل القومي والعملة الصعبة إذا تعرضت هذه الدولة لعدم استقرار نتيجة أحداث سياسية معينة، فسيتأثر قطاع السياحة مباشرة جراء عدم وجود الأمن للسائحين وتعرض الأمن للانحدار.
ونلاحظ في بعض الأحيان كيف يقع المحللون بحيرة عندما يقيّمون الوضع الاقتصادي لفترة قادمة بناء على معطيات سياسية غير واضحة.
فالبلدان النامية عندما تقع في فخ المديونية الخارجية ويبلغ حجمها مستويات حرجة، ستؤثر بالطبع في الوضع السياسي، بالإضافة إلى الوضع الاجتماعي ، وفعندما تسنّ دولة ما قوانين وتشريعات تحظر التعامل الاقتصادي مع خصومها من دول أخرى رغبة في الضغط لاتخاذ مواقف معينة تريدها، فهنا يكون القرار الاقتصادي نتيجة قرار سياسي مباشر. فالعلاقة أزلية بين السياسة والاقتصادي، وكل منهما يوجه ويتأثر بالآخر، فالنظام السياسي هو الذي يحدد مدى التطور في القطاعات الأساسية لدولة ما، وخاصة القطاعات الإنتاجية.فلا إدارة ناجحة للاقتصاد بغير تمرس في السياسة، فهما وجهان لعملة واحدة.
ويبقى السؤال متى سيكون للسياسة والسياسيين دورا في دعم الاقتصاد الموريتاني وكيف سيحدث التغيير العظيم والتحديث الكبير في عقلية الساسة الموريتانيين لكي يجعلوا من الاقتصاد هدفا لهم ولسياساتنهم؟ وكيف يمكن للاقتصاد أن يدخل في صناعة قراراتهم، وان يكون الاقتصاد جزءا من ثقافتهم من اجل تنمية وتحقيق الازدهار والرفاهية للجميع.
نختم حديثنا بالقول إن السياسة والاقتصاد مكملان لبعضهما البعض ولا يمكن فصلهما بأي حال من الأحوال