تطوقنا هذه الأيام خارطة من التمرد و كأنها "قدر بإعصار" قد وضعنا عنوة في عينه الزائغة. إن المشهد السياسي القائم بسخونة لم تشهدها من قبل شبه منطقتنا، هي من يحطنا أمام هذا الواقع حتى لا نقول متعجلين أمام هذا الاستنتاج.
في المغرب يجري تمرد دستوري متواصل بطعم التنصل من مفاهيم الماضي "الملخصة في البيعة الأزلية لملوكه" و يتواصل في الجزائر تمرد على وقع "غصة" جاءت على إثر "حيف انتخابي" من عهد غير ذي بعيد لم تندمل جراحه بعد، و تعلو نبرات تمرد و انقلاب في مالي على خلفية العجز عن استيعاب سنة الاختلاف، و انقشعت غيمة "تمرد على الدستور" في السنغال كادت تودي بديمقراطية تعتبر من الراسخات في القارة السمراء لتظل معالجة آثارها مثار قلق. أضف إلى هذا العقد الملتهب واسطته التي نزلت من لا مكان. فمنذ توقيفه أدلى "كل" بدلوه في أمر تسليم عبد الله السنوسي، المدير السابق للاستخبارات في عهد العقيد معمر القذافي الذي تطالب به أكثر من جهة، و إن تباينت حبال الدلاء و مقادير سعتها إلا أن دفقها مجتمعة لم يملأ بعد الحوض التي واردها الليبيون و الفرنسيون و السعوديون و محكمة الجنايات الدولية، كل يريد ليطفئ ظمأه.
و تكشف قراءة غير مبتذلة لهذا الوضع عن تحول في المعطى الجيوسياسي لشبه منطقتنا بفعل تداخل جملة عوامل جد متناقضة في ظاهرها، متكاملة في جواهرها و تبريراتها و قياس تعاملها مع ما يمليه هذا المعطى بالنتيجة من أساليب جديدة و من تجرد نهائي من الاعتبارات التي ما تزال قائمة في غفلة من الزمن. و من بين هذه العوامل وجوب:
- إعادة النظر في علاقة الحكام مع شعوبهم من خلال إعادة الاعتبار المطلق و اللامشروط للتوازنات الاجتماعية و السياسية القائمة و التي من المفروض أنها السبب الأول في وجود هذه القيادات على هرم السلطة،
- انتهاج حكامة رشيدة تقوم على إطلاق و تنفيذ برامج تنموية متوازنة و مدروسة تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات النفسية و المادية الحقيقية لكل ألوان الطيف دون تمييز أو تهميش أو إقصاء، و تعتمد التوزيع العادل لخيرات البلد المتوفرة،
- إقدام كل الفاعلين السياسيين، على غير المعهود مما تجاوزه الزمن، إلى غرس بذور نهج ديمقراطي جديد و العمل بإخلاص على توطين النفوس على قيمه العليا العادلة و التعامل الميداني بما تقتضيه،
ـ توطيد السلم الاجتماعي و نبذ الحلول القصوى المفضية إلى الفوضى و العنف و جعل هذا النهج خيارا سياسيا و و هدفا عمليا استراتيجيا في العملية السياسية جملة و تفصيلا.