أحد أبرز مظاهر حيوية وكفاءة ومهارات النخب السياسية المؤمنة بالقيم والتقاليد الديمقراطية، هو احترامها لجوهر وأشكال دولة القانون وسيادته على جميع المواطنين، الحكام قبل المحكومين..
والتزامهم بروحه ونزاهته وحيدته في التطبيق، دون تجاوز أو إفراط، والأهم، التزام السلطة الشارعة بالتوازن بين المصالح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والرمزية المتصارعة والمتنافسة بين القوي الاجتماعية المختلفة، وذلك لضمان التوازن السياسي والاجتماعي في البلاد ولا يتأتى هذا الهدف، إلا من خلال العقل السياسي..
إذا اعتبرنا أن مرحلة الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي هي نقطة التحول الجوهرية في التاريخ الموريتاني، فإن دراسة الفترة 1960-2020 (أي نحو60 سنة) يمكن أن تساعدنا على تحديد السمات العامة للعلاقة بين المجتمع الموريتاني والسلطة السياسية من ناحية، وعلاقة الكيان السياسي الموريتاني بالبيئتين الدولية والإقليمية من ناحية ثانية، ثم قياس التأثير المتبادل بين البعد الأول والبعد الثاني، ومنهجية التكيف الموريتاني مع التغيرات الداخلية والخارجية.
وسأترك هذه الدراسه للمتخصصين السياسيين والاجتماعيين لعلهم يجدون ماده دسمه للتحليل والنقاش
ولابد للدولة من التركيز على القيم الشمولية في الدولة، اي القيم التي تربط الطبقات والتركيز عليها، فمثلا الانتماء الى الوطن وحمل صفة الدولة يكون عام للجميع، بدلا من التركيز على العنوان الاصغر سواء كان عرقيا او قبليا، فلابد في بناء الدولة من التركيز على المشتركات بين افراد ومجتمعات الدوله.
اذ في الانظمة المؤسساتية يوسع السياسيون ولاءاتهم من الفئة الاجتماعية الى المؤسسة السياسية، وكلما تطورت المجتمعات كلما اصبحت اكثر تعقيدا، فلابد من وجود مؤسسات قادرة على ادارة التحديث والعصرنة، و من اسباب الاضطرابات السياسيه لدينا ، لا علاقة له بنظام الحكم، بقدر ما هو جزء كبير من التغير الاجتماعي السريع وظهور مجموعات سياسية جديدة، يصاحب ذلك ببطئ تطور المؤسسات السياسية بالتزامن مع المتغيرات الاجتماعية
دون انسي دور المشاركه السياسيه المحتكره من طرف طبقه سياسيه معينه وهم اصحاب المال والجاه مما يؤدي الي ميول قوي نحو عدم الاستقرار بسبب طبيعة الطبقة المحتكره للممارسات السياسيه ، فإن هذه المؤسسات ستواجه بعد فترة مشكلة التكيف مع توسع الطبقة الفقيره المثقفه والعاملة وتزايد الوعي السياسي لدي المنمين والفلاحين وأصحاب الريف، وهذا مايفرض علي الاحزاب والطبقه السياسيه تغيير الخطاب والاسلوب السياسي اتجاه المجتمع ومواكبة النمو
والتطورالاجتماعي لخلق مجتمع سياسي منسجم وطنيا ومستقر
والابتعاد عن تلك التصورات والإدراكات السياسية التسلطية السائدة بيننا، ومعاناتنا من فجوة عدم التكيف مع متغيرات وسياقات التغير السياسي والاجتماعي والتكنولوجي في عالمنا، ولجوئنا إلى مجموعة من الأفكار النمطية التي اعتدنا عليها، لتبرير عجزنا عن التكيف السياسي الفكري والسلوكي، مثل اللجوء إلى مفاهيم وخطابات غامضة وعامة وغير محددة للتعبير عن الأخطار الاجتماعيه المعيشيه وغيرها
وأحد أهم أدوات السيطرة – وفق هوبز- تتمثل في إشاعة الخوف بين المواطنين أو قطاعات أساسية، بحيث يمكن للسلطة الحاكمة أن تحكم سيطرتها.
وتمثل نظرية المؤامرة، أداة من أدوات إشاعة الغموض والخوف معاً، وتعتمد على إشاعة حالة نفسية جماعية عن أخطار حقيقية، أو متوهمة، بحيث تخشى معها فئات اجتماعية، وترى أنها مهددة في الأمن والمصالح الاجتماعية والاقتصادية
وفي مراحل تطور النظام التسلطي، تعتمد نظرية المؤامرة، التي تحولت إلى ثقافة المؤامرة، على غياب الشفافية، وندرة المعلومات الصحيحة، وعلى النظام الإعلامي الموجه من خلال أجهزة الدولة الإيديولوجية، التي تبث المعلومات المبتسرة والغامضة، والمصطنعة في العديد من الأحيان، لتبرير السياسة الرسمية وقراراتها.
وهذه الخاصيه تطبع جميع الانظمه المتتاليه حيث التعتيم الإعلامي وعدم الانفتاح المعلوماتي الحر ، وتدوير نفس الاوجه السياسيه من الاستقلال حتي اليوم واحتكار عائلات معينه للوظيفه مما رسخ ثقافة المؤامرة لدي المواطنين والاحساس بالتهميش والتغرب داخل الوطن .
و الخوف من المستقبل ، قد تكون هذه المؤامره حقيقة، ولها مبرراتها وحضور في الواقع.
وقد تسبب هذه النظريه الي ظهور تيارات سياسيه تنتهج العنف وتتخذ منه وسيله الفرض وجودها واسترجاع حقوقها كما هي الحال في اثيوبيا وساحل العاج ومالي ونيجيريا.... وليست الجماعات الإرهابية،إلا نتيجه لهذه الممارسات كالقاعدة وداعش والسلفيات الجهادية......
ومن هنا انصح المؤمنون بنظرية المؤامرة أن يتحررو من الغموص والتعميم، ويحددو ما هي هذه المؤامرة، وموضوعها وأطرافها وأهدافها، ومتى وأين ولماذا؟، إلى آخر هذه الأسئلة.
إن تحرر عقل النخبة السياسية من ثقافة ونظريات المؤامرة، بات من الأهمية بمكان، لإعادة العقلانية والرشد السياسي إلى العقل السياسي والخطاب العام، لأن الثورة الرقمية هادرة بالمعلومات والأخبار والآراء من أركان الدنيا كلها، ولم تعد الأجيال الجديدة الخارجة من أصلابها، قابله اللاحتكار السياسي والخطابات السياسيه الجوفاء......
وهناك حاجة ملحة وضرورة للتكيف السلطوي والسياسي مع التغيرات الاجتماعية، لا سيما ارتفاع نسبة الشباب من الجنسين ..
ومن ، الضروري تجسير الفجوة الجيلية، من خلال رؤية جديدة وآليات مبتكرة، في ظل شيوع إدراك جمعي بأن هناك إقصاء للشباب عن السياسة واحتكار المسنين لها، ويتطلب الأمر رؤية جديدة وسياسة للحوار، تسعى لبناء توافقات جيلية بين الحكم وبين الشباب، تقوم على خطاب سياسي جديد مفتوح على الحوار والمصالحة..
وبناء التوافق حول الأهداف التنموية والسياسية للمرحلة الحالية والمستقبلية للتطور السياسي في البلاد، يعتمد على المعلومات ورؤية سياسية إصلاحية . وضرورة التركيز على خطاب الأمل في غد سياسي أفضل، حول مآل أوضاع الحريات العامة والشخصية، وفرص العمل والمشاركة السياسية الفعالة.
وقد يبدو التكيف السياسي صعب لدى الكثيرين خصوصا مع التطورات الاجتماعيه والسياسيه، لكنه واقعيًّا وبراجماتيًّا ، لتجنُّب أيِّ مخاطر قد تَحدث، لضمان بيئه سياسيه مستقره ينعم فيها كل الموريتانيبن بحقوقهم السياسيه.