الأسباب الحقيقة لسقوط النظام وتفكك الدولة في مالي/ الولي ولد سيدي هيبه

altبدأت أوساط في منسقية المعارضة الموريتانية تتحدث عن دور لنظام الرئيس محمد ولد العبد العزيز في الإطاحة برئيس جمهورية مالي السابق، أمادو توماني توري، وما تلا ذلك من فقدان مالي السيطرة على إقليم أزواد الذي يشكل نحو ثلثي أراضيها، وتمكن الجماعات الانفصالية والتنظيمات الإرهابية من إحكام سيطرتها على كبريات مدن الشمال المالي..

ورغم أن ادعاءات بعض قادة أحزاب المنسقية بخصوص تحميل السلطات الموريتانية المسؤولية عما حدث في هذا البلد المجاور لم تستند لأية أدلة ولا قرائن وجيهة، مثلما لم يدعمها أي موقف داخل الطبقة السياسية في مالي، إلا أن هؤلاء يتخذون منها أحد مرتكزات خطابهم السياسي المتمحور حول شعار "رحيل النظام"..

وبالعودة إلى مسار تطور الوضع السياسي والأمني في جمهورية مالي خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن عوامل سقوط نظام الرئيس أمادو توماني توري قد توافرت كلها بفعل تراكمات يعود بعضها إلى مراحل سابقة من وجود الدولة المالية ذاتها واتساع هوة الفوارق بين جنوب البلاد ذي المناخ المداري الرطب، والطبيعة الخصبة وبين شمالها ذي المناخ الصحراوي الجاف، والطبيعة القاحلة؛ في ظل الشعور المتزايد لسكان الشمال (أزواد) بإهمال الحكومات المركزية المتعاقبة على حكم مالي لأية تنمية اقتصادية أو بشرية في مناطقهم..

 

وضعية أدت ـ منذ استقلال مالي، قبل نصف قرن من الزمن ـ إلى بروز حركات سياسية مطالبة بانفصال أزواد عن دولة مالي، أحيانا، وطورا بنظام فدرالي يتيح للإقليم حكما ذاتيا أو نظاما تنمويا لامركزيا، يخرج سكانه من التخلف والفاقة والإقصاء وانعدام أي من مقومات التنمية القاعدية الأساسية.

 

وبلغ استياء الأزواديين من تلك الوضعية حد إعلان الكفاح المسلح ضد السلطة المركزية في باماكو، حيث ظهرت جبهة عربية وأخرى إسلامية لتحرير أزواد، مطلع تسعينيات القرن الماضي مما خلف الكثير من الضحايا في صفوف الجيش النظامي المالي والانفصاليين الأزواديين من العرب والطوارق؛ وفي صفوف السكان المدنيين الذين نزح منهم الآلاف إلى المناطق الحدودية داخل الأراضي الموريتانية، وذلك قبل وصول الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة في موريتانيا بأكثر من عقدين من الزمن!

 

ورغم اتفاقيات السلام التي رعتها دول في جوار مالي، خاصة اتفاق 2006 بالجزائر، إلا أن باماكو ظلت تماطل وتراوغ في الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها الأزواديين الذين زادت نقمتهم على نظام توري حين ترك أرضهم مسرحا آمنا لشبكات تهريب المخدرات والسلاح ومختلف الممنوعات، ثم للجماعات المسلحة التي تمتهن خطف الأجانب وتمارس الإرهاب في بلدان الجوار، بما فيها موريتانيا والجزائر والنيجر.

 

أهمل الرئيس أمادو توماني توري جيش بلاده الذي لم يكن لدى جنوده ما يمكنهم من حماية أراضي مالي أو مواجهة تلك الجماعات المسلحة التي تسرح وتمرح في مناطق الشمال وتتخذها قاعدة خلفية آمنة لنشاطاتها الإجرامية العابرة للحدود؛ بينما تزايدت الانتقادات من داخل الطبقة السياسية المالية لتوري لدرجة اتهامه بالتمالؤ مع أمراء الجماعات المسلحة، عبر غض الطرف عنهم وجعل جيش بلاده في وضعية عجز عن أداء واجب الدفاع عن حوزة مالي وأمن مواطنيها.. وشعر أغلب ضباط هذا الجيش وجنوده بأن قادتهم باتوا منشغلين بجمع المال من خلا التعامل مع الجماعات المسلحة المتواجدة في صحراء أزواد، وتفاقم هذا الشعور عندما وجد أولئك الضباط والجنود أن الجيش الموريتاني يخوض حربا داخل أراضي بلدهم ضد الإرهابيين؛ ويدك معاقلهم بنجاح، بينما كان يفترض أن يكونوا ـ هم ـ أولى بالقيام بذلك؛ فيما حيت غالبية الفاعلين السياسيين إقدام الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، على مواجهة الجماعات المسلحة داخل معاقلها، منحية باللائمة على توري ومحملة إياه مسؤولية إضعاف جيش بلاده وتعطيله عن القيام بمسؤولياته الطبيعية.. وانفجر التمرد الذي قاد إلى انقلاب 22 مارس 2012، دون أن يجد نظام الرئيس أمادو توماني توري من يقف إلى جانبه من الجيش أو من الطبقة السياسية؛ خاصة وأن مختلف وحدات الجيش المالي انهارت سريعا أمام هجمات الحركة الوطنية لتحرير أزواد ليتكشف مستوى إهمال السلطة المركزية في باماكو لوضعية جيش بلادها..

 

وبينما سارع قادة المعارضة المناوئون للرئيس ولد عبد العزيز إلى اعتبار العمليات القتالية التي شنتها قوات بلادهم برا وجوا ضد تنظيم "القاعدة" في شمال مالي "حربا بالوكالة" أملتها مصالح فرنسا، كانت الصحافة والطبقة السياسية في مالي تشيد بنجاحات الجيش الموريتاني وتصور ولد عبد العزيز على أنه القائد الفعلي للحرب ضد الإرهاب في منطقة الساحل.. ويجمع أغلب المراقبين والمحللين لأبعاد وظروف الإطاعة بنظام توري، على أن النقيب أمادو سانوغو ورفاقه تحركوا بدافع الحرص على إنقاذ ما تبقى من دولة مالي حتى لا تنهار بشكل كامل، في محاولة للإبقاء على أمل استعادة وحدتها الترابية بأي شكل من الأشكال.

 

كانت المعارضة الموريتانية تتقاطع مع نظام الرئيس المخلوع، أمادو توماني توري، في عدم تحمسه لفكرة مهاجمة الجماعات المسلحة التي منحها ملاذا آمنا في جزء من أرض بلده، ولم يتردد في التشكيك في قدرة الجيش الموريتاني على إلحاق الأذى بتلك التنظيمات؛ بل كان لبعض القادة العسكريين المقربين منه دور في تمكين مسلحي "القاعدة" من إلحاق خسائر معتبرة في صفوف الجيش الموريتاني خلال معارك "حاسي سيدي"، سواء من خلال المعلومات المغلوطة المقدمة للموريتانيين، أو من خلال إعاقة حصول القوات الموريتانية على الوقود في الوقت المناسب.. واستوعبت نواكشوط الدرس جيدا؛ وهو ماتجلى في نتائج عملية "وقادو" لاحقا.

 

ولئن كانت منسقية المعارضة في موريتانيا مصرة على اتهام نظام الرئيس عزيز بالمساهمة في تفكيك دولة مالي، فإنها بذلك تساهم في دعم طرح هذا الأخير القائم على وصف خطابها وطرحها السياسي بأنهما قائمان على التناقض والتخبط. فحين يحمل قادة المنسقية الرئيس ولد عبد العزيز مسؤولية انهيار دولة مالي، يتهمونه ـ ضمنيا ـ بتقوية شوكة تنظيم "القاعدة" الذي رددوا في مختلف تصريحاتهم ومهرجاناتهم أنه يخوض ضده "حربا بالوكالة".. وهم ـ فوق ذلك ـ يقرون له بالقدرة على التأثير حتى في مسار الأمور عسكريا وأمنيا، حتى خارج موريتانيا، بينما لا يتردون في اتهامه بعدم توفير الأمن في نواكشوط مثلا!

ومن هنا يكون خصوم ولد عبد العزيز الداعون لرحيله قد ساهموا، من حيث لا يشعرون، في زيادة شكوك الرأي العام الوطني في الدوافع والحجج الحقيقية وراء رفعهم سقف خطابهم السياسي إلى أقصى حد؛ وكذا في مصداقية طرحهم. وإذا كان أحد أبرز قياديي منسقية المعارضة، اعتبر ـ مؤخرا ـ أن ولد عبد العزيز يقدم للمعارضة هدايا بسبب أخطائه، فالأكيد أن المعارضة هي التي قدمت أكبر هدية لولد عبد العزيز بمحاولتها الترويج لفكرة مؤداها أنه كان وراء الإطاحة بالرئيس أمادو توماني توري وانقسام دولة مالي.

4. سبتمبر 2012 - 15:40

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا