الصِّراعُ من أجْلِ الْبَقاءِ / محمد محمد الأمين

كان الصِّراع المعرفي قديما يُسْتخدم من أجل تنمية التفكير الابتكاري واسْتيعاب المفاهيم العِلْمِيَةِ في مادة العلوم، وأما اليوم فإنَّنا نستخدمه من أجل البقاء واسْتِغْلال الناس.

إن كلمةَ الاستغلال يَأْبَى الإنسان الاعتراف بها نظرا للورائيات التي تحملها، فالاستغلال مضادّ للنهضة لا يمكن أن يتَأَتَّى الوجودُ لأحدهما مع وجود الآخر، فكلاهما سبب في عدمية الآخر، وإن كانت النهضة تفُوقُه في أنها إن ظَفَرَ بها الشعب يوما قتلته إلى غير رجعة؛ فهو المُهَدَّدُ دوْماً بوَعْيِ الشعوب ونهضتهم، فإذن لا نهضة ولا تقدُّم مع الاستغلال المعرفي، وعند وجود الاستغلال المعرفي يوجد الصِّرَاعُ المعرفي بين النُّخْبَةِ التي تنقسم داخله إلى قسمين:

_ قسم يقبل استغلال الناس واستخدامهم كوسيلةٍ لتحقيق أغراض شخصية

_قسم لا يقبل ذلك ويتصدَّى له بكل ما يملك من قوة مع أنه لا يُنكر أن لديه بعض الأغراض الشخصية، لكنه لا يَسْتَغِلُّ العامَّةَ

 لذا عرّف عالم علم الاجتماع الألماني رالف داهرندوف الصراع بأنّه "حصيلة تلك العلاقات بين الأفراد الذين يشتكون من اختلافٍ في الأحداث".

من هنا نُلاحِظ أنه بدأت بين القسمين حَرْبٌ باردَةٌ في ظاهرها مُشْتَعِلَةٌ في داخلها تَحْرِقُ العَامَّةَ الذين لا يُدْرِكون وَرَائيات الأمور ولَا ما يَدُورُ وراء الكواليس.

 ومع مُرُورِ الزمن وتَرَاكُمِ الأحداث وتَغَيُّرِ الواقع ينكشف السِّتَارُ ويتضح للجميع أنه لو كان: جميعُ المثقفين أو جُلُّهُم يستخدمون رصيدهم العلمي داخل مجتمعاتهم استخداما بنائيا بحْتا لا يطبعه استغلال؛ لنهض المجتمع واندثرت الأمِّيَةُ التي تحول بين الناس مع إدراك الحقائق ومعرفة أبعاد الأمور.

 إن فئة النُّخْبة التي تسْتَغِلُّ العامّة قد قرأت بتمَعُّنٍ ورائيات هذا المجتمع البريء ومُيُولِهِ ورغباته، فأدركوا أنه مجتمع طيِّبٌ مولَعٌ بالشعارات دون الْجَوْهَرِ وبالْمُواعَدَةِ دون الإنجاز، والمَواسمُ الانتخابية تؤكد الأمر جيِّدا، ففي أيام السياسة يستعْطِفُون الناس بالشعارات المزَيَّفَةِ والبرامج الانتخابية التي سُرْعانَ ما يتضح فيما بعدُ أنها لا تُسْمِنُ ولا تُغْني من جُوعٍ.

إن الصراع المعرفي في الحقيقة هو صراعُ نفوذٍ من أجل الحصول على حصانَةِ البقاء، ويتأثَّرُ حجم الصراع من أجل البقاء بحجم أهدافه، فكلما ازدادت الأهداف كلما تضاعف الصِّراع، والواقع يؤكد لنا هذه المعادلة، فبمُجَرَّدِ حُصول رغبة لدى شخصٍ ما وراء تحقيق أهداف مُعَيَّنَةٍ، ولديه شخص آخر قد يكون عَقَبَةً أمامه، فإنه تلقائيا تتوقف بينهما نُقْطة وَصْلِ الصِّلَةِ، وكأن ذلك عِقابا له بسبب مُحاولته التحَرُّرَ من الاستمرار تحته كأداة استغلالية، ولا شيء أهم أمامه من تحقيق تلك الأهداف، ولو ضحى في سبيلها بالجميع.

إذن لا شيء أخطر على المجتمع ولا شيء أهدم للدول منَ الصِّراع منْ أجل البقاء الذي يُغَذِّيهِ الصِّراعُ المعرفي، وعليه يجب علينا أن نُّدْرك ذلك جَيِّداً، وأن نُّدْرِكَ أنَّ زمامَ الأمور عندنا بيد فِئةٍ استغلالية تتصارع من أجل البقاء فقط، فالسياسيون يتصارعون من أجل البقاء، وصراعهم من أخطر الصراعات، ويحصل نتيجةً للتنافس على السلطة أو الحكم أو التأثير في واقع الناس، وهو ما يُجْبرُ أحد الأطراف على انتِهاجِ نَهْج مُخالِفٍ لصاحبه في الأحداث الحاضرة والمسقبلية، والمُدَوّنون أيضا يتصارعون من أجل البقاء الذي يضمن لهم الشُّهرَةَ في التأثير على الناس، والعامة أيضا في المقابل تتصارع من أجل البقاء نتيجة لما زُرِعَ فيها من ألْغَامٍ خبيثة من قِبَلِ السياسيين والمثقفين المستغِلِّين، ويبقى الصراع من أجل البقاء القاسمَ المشتركَ بين الجميع رغم سعة الفجوة بينهم.

والذي ساعد الفئة المستغِلَّةَ التي تُصارع من أجل البقاء في تَصَدُّرِ المشهد رغم استغلالهم للناس هو ضعف الوعي لدى العامّة الذي كان سببا في تَرْوِيضهم وتخديرهم من طرفهم بمصالح وَهْمِيَةٍ، وبنضال يُباعون مقابله كبيع المواشي داخل الأسواق، فثقفوا الناس وعلموهم إذا كنتم تسعون لنهضة حقيقية فلا نهضة بدون التعليم، وقد يُحسم الصِّراع في آخر المطاف من طرف بعض الأطراف المتصارعين على حساب بعض، لكن هل ستكون لحسمه فائدة تعود على الْعامَّة؛ لينتهي الاستغلال عنهم؟ وهل ستتحقَّقُ النهضة بعد ذلك؟ أم أنه انتصار لضمان البقاء الذي يجسد الاستغلال أكثر؟؟

تأملوا الواقع دون أن تهملوا النظر في المستقبل لعلكم تجدوا إجابة أحسن وأكثر دقة مما هو أمامكم

20. نوفمبر 2020 - 12:18

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا