تمر بنا اليوم أول ذكرى للاجتماع المثير الذي عقده الرئيس السابق مع لجنة التسيير المؤقتة لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية. بعد ذلك الاجتماع المثير بساعات قليلة نشرتُ مقالا تحت عنوان :" ماذا بعد اجتماع الرئيس السابق بلجنة تسيير الحزب؟"، وأعيد اليوم نشر هذا المقال دون أبسط تعديل، هذا إذا ما استثنينا تصحيح خطأ مطبعي ورد في كلمة، وإضافة نقطة لم تكن في المقال الأصل.
نص المقال
ماذا بعد اجتماع الرئيس السابق بلجنة تسيير الحزب؟
إن أول ملاحظة يمكن الخروج بها من اجتماع البارحة هو أننا قد دخلنا مرحلة جديدة لن تكون سهلة. لقد قرر الرئيس السابق أن يخاطر من جديد وأن يغامر، وهو الذي تعود على المخاطرة، والمخاطر إما أن يكسب كل شيء أو يخسر كل شيء، فهل ستكون هذه هي آخر مخاطرة سياسية للرئيس السابق؟
لقد أبرق الرئيس السابق من خلال اجتماع البارحة ببرقية واضحة وصريحة جدا تقول بلسان الحال : أنا هو مرجعية الحزب، ولذا فقد ترأست لجنة تسييره رغم عدم عضويتي فيها، وعلى من يرفض مرجعيتي للحزب أن يخرج من باب الحزب أو من نافذته، وإلى غير رجعة.
لقد جاء في بيان الحزب الذي صدر بعد الاجتماع بأن الحزب غير مرتبط بالأشخاص وبالسلطة، وتعني هذه العبارة سياسيا بأنه غير مرتبط بالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي يمثل السلطة، أما ارتباطه بالأشخاص، أو بصفة أدق بشخص محدد، فهو أمر معلوم، وقد أكده اجتماع البارحة الذي ترأسه شخص ليس عضوا في لجنة تسييره.
لقد قرر الرئيس السابق أن يخاطر وأن يدخل في معركة مفتوحة مع جهات عدة، فهل سينجح في هذه المخاطرة أم أنها ستكون آخر مخاطرة؟
من المؤكد بأنه لا يمكن لأي بلد أن يقاد برأسين، ولقد قرر الرئيس السابق أن يطل برأسه إلى السلطة من خلال اجتماع البارحة، فهل ستنجح تلك الإطلالة أم أن الرأس سيقطع هذه المرة؟
هذه بعض النقاط المتفرقة التي قد تساعدنا في الإجابة على السؤال العنوان:
1 ـ لم يعد بإمكان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن يستمر في تجاهل ما يحدث داخل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، فتجاهل ما حدث البارحة، سيعزز من حجة أولئك الذين يقولون بأن الرئيس السابق هو من يتحكم في الأمور. إن "الحقيقة السياسية" هي تلك التي تتشكل في أذهان المواطنين، فعندما يقتنع المواطنون بأن الرئيس السابق هو من يتحكم في الأمور فإن ذلك سيتحول إلى حقيقة وإلى أمر واقع، حتى وإن لم يكن كذلك في الأصل.
2 ـ هناك خصوم كثر للرئيس السابق، فهناك المعارضة، وهناك داعمو الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من خارج حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وهناك داعموه من داخل الحزب، وهناك ضحايا الرئيس السابق ..فهل سيتمكن الرئيس السابق أن ينتصر على كل هؤلاء وهو يحارب بسلة مملوء بالبيض، ويمكن لبيضها أن ينكسر بكامله عند أبسط حركة؟
3 ـ لا شك أن خصوم الرئيس السابق كثر ، ولكن السؤال هو : هل سيكون بإمكان خصومه السياسيين أن ينسقوا فيما بينهم لتوجيه الضربة القاضية سياسيا على الرئيس السابق؟
مهما يكن من أمر، فإن إدارة هذا الصراع تحتاج إلى احترافية كبيرة، وتحتاج من قبل ذلك كله إلى الاعتراف ـ ومن أعلى مستوى ـ بأننا قد انتقلنا من مرحلة الاحتواء والصراع من وراء حجاب إلى مرحلة الصدام الحتمي والصراع المكشوف. انتهى المقال.
تعقيب سريع على المقال بعد مرور عام على كتابته
بعد مرور عام على الاجتماع المثير الذي عقده الرئيس السابق مع اللجنة السابقة لتسيير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، فإنه يمكننا أن نقول ـ وبكل اطمئنان ـ بأن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد أدار الصراع مع الرئيس السابق باحترافية كبيرة، وأنه قد تمكن خلال سنة واحدة من عزل الرئيس السابق بشكل كامل، وأن يبعد عنه أي دعم سياسي يمكن أن يعول عليه مستقبلا.
لا خلاف على أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد أدار هذا الصراع باحترافية كبيرة، وأنه تمكن ـ وفي وقت قياسي ـ من عزل الرئيس السابق، ولكن السؤال الذي يمكن أن يطرح بعد مرور عام على ذلك الاجتماع المثير هو : هل كان الهدف هو عزل الرئيس السابق وحشره في أضيق زاوية ، أم أن الهدف هو عزل نمط تسيير معين كان الرئيس السابق يتبعه في تسييره لشؤون البلاد ؟
قد يرضى البعض ممن لديه أحقاد ومشاكل شخصية مع الرئيس السابق بالاكتفاء بعزل الرئيس السابق والتضييق عليه ومحاسبته قضائيا من بعد ذلك، ولكن أغلبية الموريتانيين ليست لديها أي أحقاد ولا أي مشاكل مع شخص الرئيس السابق، وإنما لديها مشاكل مع نمط حكم مارسه الرئيس السابق ومارسه رؤساء من قبله، وكانت محصلته النهائية كل هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها بلادنا اليوم.
لقد آن الأوان لأن يبدأ نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مرحلة جديدة لا تكتفي بعزل الرئيس السابق، وإنما تعمل بالإضافة إلى ذلك على عزل نمط سيء من الحكم مارسه الرئيس السابق ورؤساء من قبله، وقد سئم الموريتانيون من ذلك النمط من الحكم، ولم يعد بإمكانهم أن يتحملوه أكثر.
إن أغلبية هذا الشعب تريد نمط حكم جديد يأتيها بأساليب جديدة في التعامل مع ملفات حساسة، كملف التوظيف والتعيينات، وملف الزيارات التفقدية، ويأتيها أيضا ـ وهذا لا يقل أهمية ـ بواجهة سياسية وإدارية جديدة قادرة على أن تبعث الأمل في نفوس المواطنين.
فليكن عامنا هذا عام عزل أنماط الحكم السابقة، وذلك بعد أن كان العام الماضي عام عزل للرئيس السابق.
حفظ الله موريتانيا..