كيف تُدار الأزمات؟ تساؤل يفرض نفسه على الساحة العالمية الآن خاصة بعد ظهور أزمة كورونا، فالحكمة الصينية تقول أن الأزمة هي فرصة قادمة على مو
جة خطيرة. فالتعرض للأزمات هو أمر وارد بشكل طبيعي وغير مسبوق،،
وثمة مثل شائع يقول "الشدائد تصنع الرجال". وفي التاريخ الحديث، بدا ذلك المثل لصيقا للغاية برئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل، والطريقة التي قاد بها بلاده خلال الحرب العالمية الثانية.
والآن، يواجه الكثير من قادة الدول في مختلف أنحاء العالم "وقتا حرجا" مماثلا، في ظل تفشي وباء كورونا المستجد "كوفيد - 19"، الذي يهدد أرواح الملايين في شتى أنحاء المعمورة، ما لم يتم اتخاذ إجراء سريع ومنسق لمواجهته.
ولا يوجد طريق سهل يكفل الخروج من هذه الأزمة، ما يزيد المشكلات التي يواجهها قادة دول العالم في هذا الشأن، إذ يتوجب عليهم أولا اختيار الاستراتيجية الأمثل للتعامل مع الوباء وهو أمر ليس باليسير من جهة، كما يتحملون في الوقت نفسه مهمة هائلة تتمثل في بث الطمأنينة في نفوس مواطنيهم وإقناعهم بإتباع أوامر السلطات، حتى إن كان هذا يعني امتثالهم لقرارات توجب عليهم الالتزام بـ "التباعد الاجتماعي"، وما يترتب عليه من تكاليف باهظة يتحملها الأفراد، وآثار جانبية على قطاع مثل التوظيف مثلا.
لذا قد تقود أي خطوة خاطئة إلى تقويض الثقة في السلطات، وإطلاق العنان لاضطرابات من شأنها زيادة المخاطر القائمة حاليا بفعل الوباء. لكن - في كل الأحوال - لا يزال علينا الانتظار، لكي نرى ما إذا كان بوسع قادة دولنا الارتقاء إلى مستوى الحدث، عبر التعامل بطريقة ملائمة مع الأزمة التي نواجهها في الوقت الحاضر.
بطبيعة الحال، لا بد من التأكيد على أن رد فعل هذا القائد أو ذاك على الأزمات الطارئة، لا يقتصر على الخطابات والكلمات التي يلقيها بشأنها..
فعلى القادة في هذه الحالة - مثلا - الإدراك السريع للخطر الذي يواجه مواطنيهم. وفي الوضع المثالي، يتوجب عليهم أيضا توفير البني التحتية والتدابير اللازمة للتعامل مع الموقف ووضعها موضع التطبيق، ما يفيد في جمع البيانات الخاصة بالأزمة بمجرد وقوعها ودون تأخير، وهو ما يُعرف علميا باسم "التعرف على طبيعة التجربة التي يمر بها الناس جراء مواجهتهم لهذا الموقف أو ذاك".
وعندما نصل إلى مرحلة اتخاذ الإجراءات العملية، يصبح القائد بحاجة لأن يحدد بدقة إلى أي حد يستطيع الاعتماد على تعاون المواطنين عبر الإقناع، ومتى يتوجب عليه المضي إلى ما هو أبعد، والانتقال إلى مرحلة أكثر صرامة، يُطلق عليها اسم "القيادة والتحكم"؛ يسعى من خلالها لتوظيف كل ما لديه من موارد للتعامل مع الأزمة.
وقد يؤتي اللجوء إلى هذا الخيار بنتائج عكسية، إذا لم يُتخذ بالقدر الكافي من الحيطة والحذر. وستحدد كل العوامل السابقة، كيف يمكنك كقائد تقليص حجم الضرر الناجم عن الوضع الطارئ الذي تواجهه
أن ثقة المواطنين في حكوماتهم وقادتهم، غالبا ما تتحدد في نهاية المطاف، بناء على الرسائل الاتصالية التي يتلقونها من هؤلاء القادة، في صورة تصريحات وخطابات وكلمات متلفزة مثلا.
"لا يمكن أن تتحقق القيادة الفعالة على صعيد التعامل مع الأزمات، بمجرد اتخاذ الإجراءات الصحيحة على الأرض فحسب".
أن القائد يحتاج في مثل هذه المواقف لصياغة رؤية متماسكة يشرحها لمواطنيه، للمساعدة على توضيح طبيعة المشكلة لهم وتوحيد صفوفهم، وذلك إذا كان يرغب في الحصول على ما يُعرف بـ "الإجماع الطوعي".
المخاطر، التي ينبغي على القادة تجنبها إذا كانوا يرغبون في اكتساب ثقة مواطنيهم لا إثارة استيائهم ومعارضتهم.
ومن بين أمثلة الأخطاء الشائعة على هذا الصعيد، صياغة رسالة تفتقر إلى الاتساق وتحفل بالتناقضات، وهو ما ستسارع بتناوله وسائل الإعلام بعد ذلك بالطبع، أو توجيه رسائل متناقضة، كما حدث عندما أدلى المسؤولون البريطانيون في بداية أزمة وباء كورونا بتصريحات، قالوا فيها إن الحكومة تسعى لتكوين "مناعة الجماعة" أو "مناعة القطيع"، قبل أن تتغير نبرة تصريحاتهم فيما بعد. ومن شأن توجيه هذا النوع من الرسائل زيادة الشعور بالارتباك وعدم الثفة.
على قادة الدول التحلي بالشفافية في الحديث إلى مواطنيهم بشأن الطبيعة المتحورة والمتفاقمة للأزمات التي تواجههم، وتجنب تبني "نظرة أبوية" تقوم على التعامل مع المواطنين على أنهم "أطفال بحاجة إلى من يقيهم شر الاستماع للأخبار السيئة".
إنه من الضروري التعامل مع هؤلاء المواطنين على أنهم "أشخاص راشدون، سيكون مطلوبا منهم على المدى البعيد، القيام بجهد ما" للتعامل مع الوضع المتأزم الذي يواجههم.
ويجب أن يتحلى المرء بالصدق والوضوح مع الناس، وأن يبرز ويقر بالشكوك وحالة عدم اليقين القائمة.
وقد يفضي عدم التحلي بالوضوح والشفافية، إلى أن يشعر الناس بسرعة بأنهم يتعرضون للخداع، وأن تتقلص مصداقية الحكومة وثقة المواطنين في سياساتها.
وبشكل عام، أن على السلطات المسارعة بتوجيه رسائل أولية لمواطنيها، من أجل تجنب أي انتشار لمضامين مناقضة لفحوى ما تريد هي نشره وإذاعته. ويشير إلى أن ذلك سيؤدي إلى "ملء الفراغ" من جهة، ويتوخى تحقيق خمسة أهداف من جهة أخرى. وتتمثل هذه الأهداف في "توفير تفسير موثوق فيه لما يحدث، وتوجيهات وإرشادات بشأنه كذلك، بجانب غرس الأمل، وإظهار التعاطف والتآزر، والإشارة إلى أن قادة البلاد يمسكون بزمام الأمور". وإذا فشل القائد السياسي في تحقيق أي من هذه الغايات، فسيبدأ في فقدان ثقة مواطنيه.
وإذا انتقلنا إلى الأزمة الحالية المتعلقة بانتشار وباء كورونا، سنجد أن ردود الفعل السريعة التي اتخذتها كوريا الجنوبية للتعامل مع هذا الملف، ربما تشكل نموذجا يُحتذى به، على صعيد إظهار مبادئ الإدارة الفعالة للأزمات. فقد بدأ هذا البلد الآسيوي - على ما يبدو - وقبل وقت طويل من تفشي الوباء في أراضيه، تخزين الأدوات اللازمة لإجراء الاختبارات الخاصة بالكشف عن الإصابة بالفيروس.
وسمح ذلك بأن تشهد الفترة التي بدأت فيها معدلات الإصابة في التزايد بشدة، إخضاع 10 آلاف شخص لتلك الاختبارات يوميا. فضلا عن ذلك، أبقت السلطات مواطنيها على إطلاع مستمر على مستجدات الموقف المتغير طوال الوقت، عبر تطبيق يُثبت على الهواتف الذكية.
في المقابل، ربما كان بعض القادة الغربيين متفائلين بشكل أكبر من اللازم، على صعيد الإجراءات التي اتخذوها في البداية للتعامل مع أزمة كورونا، ما أدى إلى تآكل ثقة مواطنيهم في مدى قدرتهم على احتوائها.
فعلى الرغم مما هو معروف من تركيز الساسة في العصر الحديث على توطيد علاقاتهم بوسائل الإعلام، أن الكثير من القادة، ما زالوا لا يُقدرّون - في خضم اللحظة الحالية - مدى أهمية الرسائل الاتصالية التي يوجهونها لمواطنيهم في أوقات الأزمات، خاصة على صعيد ضرورة الحرص على أن تكون رسائلهم هذه متسقة وشفافة. أعتقد أن القادة يبخسون في بعض الأحيان، من أهمية التأثير الذي تُخلّفه كلماتهم، وبالأخص (تأثير) ما لم يتفوهوا به، وهو ما لا يقل أهمية عن أثر ما قالوه، سواء بسواء".
بأن مضمون الرسائل الاتصالية التي يوجهها الساسة لمواطنيهم، قد يكون في أغلب الأحيان أكثر أهمية من عملية صنع القرار نفسها، على الأقل على صعيد إسهام ذلك في نيل تأييد الجماهير والحصول على ثقتهم.
يريد الناس من قادتهم إبداء التعاطف معهم، وإظهار تفهمهم كذلك لما يعنيه الموقف الطارئ الذي يواجهه الجميع، فضلا عن بعث الأمل في أن بوسعنا جميعا إدارة الأزمة والتعامل معها، حتى وإن كنا لا نعلم كل المعلومات الخاصة بها في الوقت الراهن.
أن تحقيق ذلك يشكل "موازنة عسيرة بشكل ما على قادتنا"، لكنه يشير إلى أن نجاح هؤلاء القادة، في الوصول إلى هذا الهدف، سيجعل مواطنيهم يشعرون بأن حكومتهم تراهم وتشعر بهم "وهو ما نحتاج إليه في الوقت الحاضر.