زعامة إمريكا للعالم..إلى أين؟! (2) / التراد بن سيدي

لقد كان النصف الأخير من القرن العشرين والعقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين مطبوعان بالهيمنة شبه المطلقة لإمريكا ورغم ما كان للأتحاد السوفياتي وحلفاؤه من دور ومن مناطق يتمتعون بنفوذ كبير فيها فإن دورهم لم يبلغ يوما حجم الدور الإمريكي المسنود من دول كبرى كانت يوما تتمتع بالسيطرة والنفوذ الدولى ودول أخرى غنية وصناعية مؤثرة وقد استطاعت إمريكا وحلفاءها باستخدام أساليب مختلفة من التنافس المتعدد الاوجه وخصوصا في مجالي صناعة السلع الاستهلاكية وفي سباق التسلح بأنوعه المعقدة و التي تعتبر أشكال كثيرة منها قُصِدَ بها إنهاك الاتحاد السوفياتي ومنعه من تخصيص المجهود المناسب لتلبية الحاجات الإستهلاكية لشعوبه التي تشرئب باعناقها وترنو بعيونها نحو ما يتمتع به مواطنو العالم الرأسمالي الذي ينافسوه !!! لقد استخدمت إمريكا وحلفاؤها التنافس في المجالين السلعي والتسليحي مع قدر كبير من التسميم الإعلامي للتأثير على الأوساط الشعبية في المعسكر الشرقي الأتحاد السوفياتي و شركائه واستطاعت بأساليبها المختلفة النجاح في تفكيك الاتحاد السوفياتي وحلفائه لتبقى الولايات المتحدة متفردة بسيطرة كاملة على العالم مما جعل الكاتب الإمريكي ذو الأصول اليابانية افرانسيس فوكوياما يؤلف كتابه ( نهاية العالم الإنسان الأخير) معتبرا نصر النظام الرأس مالي نهاية تطورات الصيرورة الإنسانية والتطورات الجارية من بداية العصر الصناعي !! ورغم تراجع فوكوياما عن أكثر آرائه الواردة في الكتاب فإن الكثير من المفكرين والساسة رَأَوْ نفس الرأي واعتبروا الأمور انتهت إلى قيادة أحادية للعالم لامنازع ولا معارض لها و إمريكا نفسها بدأت تتصرف بصلف وعنجهية لاحدود لهماتوضح اطمئنانها إلى سيطرتها المطلقة.. وجعلت الامم المتحدة بمثابة مؤسسة ملحقة با لخارجية الأمريكية تتخذ بها ماتشاء من قرارات وتعيد بها تشكيل الخرائط بما تراه يخدم مصالحها فأسقطت أنظمة وحاصرت أخرى وغيرت من الملفات والكيانات ماشاءت.!!
لكن التطورات أظهرت أن للصورة جوانب مختلفة و أن للتطورات أحوالا لم يتم النظر إليها وإلى دورها في توجيه أحداث المستقبل.

لقد بدى العالم عند نهاية الحرب العالمية الثانية مدمرا وممزقا بشكل عام والدولتان الكبيرتان المهزومتان آلمانيا واليابان أوضح تدميرا وتمزيقا وبدت دول كبيرة كالصين والهند واندنوسيا ترزح تحت مستوى من التخلف في كل المجالات يصعب تصور تجاوزه.
لقد باشر العالم عملية ضخمة لاستعادة الحياة في الدول المدمرة ألمانيا واليابان اللتين باشرتا عملية بناء بسرعة مذهلة حيرت العالم كله فاستطاعت في زمن قياسي التقدم على أكثر الدول الصناعية وبدأت تنافس إمريكا صناعيا وتكنلوجيا حتى اضطرتها إلى اختراع مجالات ومهام تمتص بعض الطاقات الهائلة للعملاقين ففرضت عليهم المشاركةفي المجال العسكري الذي كان محظورا عليهما أصبح الآن هو السبيل الوحيد لعرقلة نمو الدولتين فقبلتا على مضض طاعة للسيد لا رغبة.في المجال لانه كان سبب تحطمهما.!!!

أما الصين والهند فقد افترقت بهما الطرق واتخذا خطان مختلفان لتنمية بلديهما واستطاعا في النهاية التقلب على مشاكلهما وتبدآن خطوات جبارة للتطور في كل المجالات .. لقد كانت الصين الأجرأ في اقتحام مختلف المجالات وتجاوزت حاجاتها الداخلية وبدأت تغزو الأسواق ببضاعة تلبي كل الحاجات وبأسعار تنافسية جعلتها تقتحم أسواق العالم كله إمريكا وكندا والمكسيك وإمريكا اللاتينية جميعها أوروبا بمختلف مناطقها شرقها وغربها ووسطها وشمالها وآسيا بكل اتساعها وإفريقيا .!! لقد أصبح العالم كله سوقا واسعة للبضائع الصينية .
ولم يكن التوسع الصيني في مجال محدد لقد بدأت الصين تغزو كل المجالات بما فيها تلك المجالات التي يشكل دخولها تهديدا لسيطرة السيد الإمريكي مثل الفضاء والإلكترونيات والأسلحة الدقيقة المتطورة.

لقد استطاعت روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي أن تعيد الوقوف على أقدامها والحفاظ على قوتها العسكرية الأستراتيجية وبدأت تتطور في مجالات حساسة تهدد التفوق العسكري الإمريكي وتعيد توازن القوة لنقطة البداية ورغم القدرات الاقتصادية الضخمة للروس إلا أنهم مقابل إمريكا لايحسب لهم حساب إلا بوجود قوة الصين الجديدة والمستمرة تتطور فهذا يجعل قوة الروس الاقتصادية مع قوتها العسكرية عامل ترجيح لدور الصين كما أن قدرات الصين عامل تأمين وحماية لدور الروس.

إن وضع إمريكا كسيد للعالم بميزات التفوق الكثيرة بدأ يتآكل ويضمحل أمام التقدم السريع والهائل للصين التي توغلت في كل الصناعات بما فيها الصناعات التي كانت إمريكا تنفرد بالسيطرة عليها إن تقدم الصين في مجال الإلكترونيات والاستغناء عن غوغل وتطوير مجالات سيبرانينة جديدة خارقة واعتبار مااعلن غيض من فيض لمعجزة صينية تتكشف شيئا فشيئا و إن غزو الفضاء والسيطرة على أعالي البحار وإنشاء الجزر الاصطناعية والمجهزة بصيغ وأدوات جديدة والتقدم السريع في المجالات العسكرية التي كانت لإمريكا والروس دون باقي العالم مع اكتساح الأسواق كلها والسيطرة على أكثرية الرساميل في مختلف الأسواق كل هذه الامور تظهر صينا جديدة غير الذي كنا نعلم. فالدولار الذي الذي كان بإمكانه أن يحاصر كل العالم يجد نفسه أمام الصين التي تمتلك منه الكثير لايريد سوى أن لا تعلن الصين عملتها كبديل له لأن ذلك سيكون إيذانا بنهاية هيمنته التي كلفت العالم الكثير.

إن اجتياح وباء كورونا للعالم أظهر ضعفا غير متوقع لمن كان يعتقد فيهم من القدرة ماظهر زيفه وبطلانه لقد ظهر الغرب كله بمافيه السيدة إمريكا يترنح عاجزا حائرا يضرب أخماسا بأسداس !! وظهرت الصين بقدراتها الخارقة في التنظبم والسيطرة والتحكم والعلاج وفي فترة قياسية تغلبت على الوباء وما يزال أسلوبها في المراقبة والعلاج متفوقا.

وهناك حدثان يوضحان أننا بدأنا الخطوات الأولى لولوج مرحلة جديدة لن يكون قطبها السيد الإمريكي وحده إما سيزاح عن مكانه اوسيُشَارَكُ فيه على أقل تقدير.

أولا: أن إنشاء تحالف اقتصادي من خمسة عشر دولة والذي تم المصادقة عليه يوم ١٥ نفانبر بزعامة الصين وغياب إمريكا عنه والذي يضم اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا وانيوزيلاندا يضم تعداد المشكلين له ملياران من السكان ويملكون ثلاثين في المئة من الناتج الاجمالي العالمي ولقد كانت الهند مشتركة في محادثات إنشاء هذا التحالف الذي استمرت المفاوضات بشانه ثمان سنوات وانسحبت قبل التوقيع بحجة خوفها من اجتياح البضائع الصينية المنخفضة السعر لأسواقها ولا يستبعد رجوعها بعدتسوية بعض الامور معها فهذه المنظمة الجديدة لبنة قوية في تأسيس قطب جديد.

ثانيا: لقد عقد اجتماع لآسيان اتحاد تجاري يضم إمريكا والصين يوم ١٩ نوفمبر كان عبر الفيديو ووجه فيه رئيس الصين خطابا كان بمثابة إعلان زعامته للتحالف حيث تعهد بضمان حرية التبادل ورفض كل أشكال الحمائية وتعهد بضمان سياسة الانفتاح المطلق والتبادل الحر وهذه المنظمة تضم أفرادا من المنظمة السابق ذكرها وتشكل نسبة مساهمتها في الناتج الإجمالي العالمي ٦٠%.
فهذان الحدثان يوضحان أننا نستطيع إذا أحسنا الإنصات الاستماع لأنفاس الأحداث المتسارعة نحو تغيرات جديدة وترتيبات جديدة!!!
(يتبع) إن شاء الله

 

23. نوفمبر 2020 - 13:51

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا