المثقف ودوره في بناء الوطن وتنوير المجتمع / د.محمد عالي الهاشمي

الثقافة مسؤولية والتزام بقضايا الوطن والإنسان، وواجب المثقف أن ينحاز ويتعاطف ويأخذ خيار الناس في قضاياهم الحياتية، ونضالاتهم الدائمة نحو حياة كريمة، يمتلكون فيها قرار صناعة مستقبلهم، وحقهم في العيش الكريم  والتعليم والصحه والعمل .... والمساهمه في بناء أجيال على أنماط المعرفة، وامتلاك أدوات التفكير

ومسؤولية المثقف أن يكون إلى جانب الناس يحمل قضاياهم، ويتولد لديه الإحساس بأحلامهم في العيش، والحرية، والعدالة، والمساواة في كل شؤون الحياة، فيكون صوتهم المرتفع، وضمائرهم المرهقة والمعذبة بالقهر، والتفتت، والوجع، وأن يحمل عذابهم، ومآسيهم - وما أكثرها، وأشدها، وأثقلها في بلادنا- ليوصلها بشجاعة عبر أدواته الخاصه إلى السلطة التي غلقت آذانها عن مآسي المواطنين، او الي العالم والجهات التي تصغي اليه.

 علي المثقف ان يتحمل  مسؤوليته الوطنية، والأخلاقية، ويكوّن سلطته الذاتية في المواجهة، والانتصار للناس الذي هو جزء منهم، بوصفهم المكوّن الرئيسي للوطن كجغرافيا، وتاريخ، وهم من يصنعون تاريخ الأمة، وليس المنتفعين، والانتهازيين، والفاسدين الذين يتعاملون مع أوطانهم وكأنها فنادق، او بنوك أو موانئ ومطارات للعبور إلى عوالمهم الخاصة.

المثقف الذي نعنيه ليس الذي قرأ بعض الكتب التي حصل عليها من ملحقيات السفارات ولا مثقفي الكازينوهات  اوناشطي وناشطات المجتمع المدني ولا مناضلي الأحزاب ولا هندسي وجواسيس المستعمر .

المثقف هو صاحب الفكرة والفكرة هي الدافع، والمثقف عندما يتهاون مع السياسي، يتهاون السياسي في ثوابت البلد، لأنه منح للأخير مبرراً نفسياً ووطنياً، كذلك المثقف هو اللذي لا يتزحزح عن أرضية المبادئ، أياً كانت رياح السياسة.

ومن سمات المثقف المتمكن أنه لا تغريه الأموال، ولا يهمه أن يمتلك الأصول المادية، بقدر أن كل مايهمه هو الوطن والمواطن  ، ولا تنطلي عليه الشائعات ولا ينجر إلى الخلافات  الجانبية.

(انا لا اوزع هنا صكوك الثقافه للبعص وأنزعها من آخرين، هذه المعايير متفق عليها)

المثقف الموريتاني الحقيقي  الاصيل هو الذي يعرف البعد الإفريقي العربي الحقيقي للإنسان الموريتاني .

يذهب إلى المستقبل ثم يعود ليحذّر قومه، ويذهب إلى الماضي ثم يعود ليبصّر أبناء جيله.

المثقف الموريتاني المعروف اقليميا وعربيا  هو الذي عمره منذ آدم إلى اليوم، لأنه يعرف التاريخ، وهو الذي امتداده إلى اليابان وحتى كالفورنيا، وله قدم في جميع القارات لأنه يفكر ببلده في سياق اقليمي وعالمي لاتوقفه الحدود والحواجز.

المثقف الحقيقي  لا يحمل أي إيديولوجيه ايا كانت، ناصرية أو إسلامية اواخوانيه أو بعثية أو يسارية.. ولا يتعصب لمنطقته ولا لقبيلته إيديولوجيته وطنه وشعبه.

وما نعيشه اليوم من فساد وسرقه هو الضريبة التي ندفعها جراء تغييب المثقف عن المشهد .

حصل نوع من التغييب المتعمد للمثقفين ، وأدى ذلك إلى رد فعل سلبي من قبل هؤلاء المثقفين الذين كان عليهم ألا يرضخوا لمثل ذلك التغييب.

لم يعد المثقف وحده اليوم يعي مانعيشه من ازمات حيث الفساد والسرقه والنهب و الفقر والجهل والتهميش .. بل اصبحت كل فئات الشعب تعرفه وتتذمر من هذا الوضع،  وليس أمام المثقف إلا أن يكون مرشدا ومصلحا ومنصحا.

ولأن الثقافة إدراك وموقف، فمن واجبه أن ينتقد بشكل واضح الأشياء الخاطئة.

وعليه أن يحذر بأعلى صوته، ويقف بكل درجات الحكمة والشجاعة ضد كل المحاولات التي تؤدي إلى مالا تحمد عقباه من سرقة الحاضر وتلغيم المستقبل وتزييف هوية المجتمع وتزوير التاريخ.

على المثقف الموريتاني أن يشجع الناس، لأن الناس خائفون من المستقبل، وعليه أن يهوّن من الصورة المرعبة التي رُسمت في أذهانهم من طرف سياسات الدوله وتدوير المفسدين واحتكار  الوظائف والفرص من طرف عائلات قليله ، والخطابات الديماغوجيه وخطابات الكراهيه وغيرها من العوامل  لتي جعلت المواطن الموريتاني البسيط ينظر للمستقبل بالغموض 

علي المثقف  أن يطيل التأمل، ويخرج للناس حصيلة تأمله. ويعرضها عليهم لعلها تكون حلا لبعض المشاكل وتجد آذان صاغيه الان الناس تائهون، وليسوا متفرغين، بل هو المتفرغ، الناس ضائعون وليس هناك من يتأمل ويبحث عن الحل  ،خائفون وليس هناك من يشجعهم، وحيدون وليس هناك من يؤنسهم.

المثقف هو اللذي يحترق قلبه على جوع ، الأمهات،وعلي المرضي وعلي الأطفال وعلي تهميش اصحاب الكفآت وعلي البطاله وعلي انعدام الأمن وعلي ....... 

المثقف هو الذي ينحاز إلى القيم إذا انحاز الناس للمال، وهو الذي يهذب جزع المحرومين ويضحض جشع الساسة.

 

أيها المثقف  لقد خذلك الجميع، لكن الجميع الآن يحتاج لك.

 

بلدنا يزخر بالمثقفين ولم يكتبوا طيلة حياتهم، مقالة، وإنما كانوا سبباً في صناعة كتابٍ كثيرين.. وممتلئة بمثقفين لم يؤلفوا كتاباً لكنهم كانوا سبباً في ظهور كتبٍ ومؤلفين.

المثقف هو الذي يستشعر المسؤولية ليس تجاه الواقع الذي يعيشه أو تجاه الوطن الذي يحبه، بل تجاه الأجيال القادمة ومستقبل الوطن.

بدأت الثورة الفرنسية بكتابات مثقفين وكان لها دور في تغيير العالم، كما بدأ عصر النهضة بكتابات مثقفين.

التاجر يتأثر بالمثقف، ومنه يستقي قناعاته، والعسكري يتأثر بالمثقف ومنه يستمد قضيته.

المثقف هو المفكر الذي يغوص ثم يلملم ثم يبلور قناعات الجميع، لأن ذلك وظيفته وصنعته، بينما الآخرون معنيون بأشياء أخرى.

المثقف لا ينتظر جائزة من منظمة خارجية، ولا وساما من رئيس، ولا راتبا من وزير. التكريم الحقيقي بنظره هو ان ينجح في مهمته، التنويريه وازاحة الظلام ليستعيد الكل حقه بما فيهم الوطن 

والكثير من مثقفينا للاسف ينطقون بلسان النظام  لأنهم جزء من المؤسسة الرسمية، أو تحت ظلها لاهثين بإذلال يبعث الشفقة والرثاء خلف منصب، أو امتياز ، أو في انتظار المال  أما المسؤولية التاريخية للمثقف، والمثقفين تجاه الناس، ونصرة قضاياهم، وحرياتهم، وكراماتهم، فهذا عندهم كذبة كبرى.

يسحق المواطن الموريتاني، اللذي يعيش الذل، والجوع، والمرض، والتخلف، والأمية، والبطاله منذ ستينات القرن الماضي...

وإذا حاول مثقف أن يرفع صوته ، وجد من يستنكر ذلك من بعض المثقفين، بل ويجرمه، ويصفه بالخارج على القانون، وقد يرميه بانعدام الوطنيه وانت ابن فلان وعلان ومن قبيلة كذا ولا يليق بك هذا الكلام.....الخ

وفي الاخير لا نهضة ولاتطور بدون المثقفين الوطنيين المخلصين المثقف هو ذلك الإنسان المنتج للمعرفة والذي يحتفظ باستقلاليته الفكرية عن السلطة السياسية من جهة، وعن الرأي العام من جهة أخرى، فلا يتملق الجماهير كسباً للشعبوية والنجومية، ولا يداهن السلطة، كسباً للمغانم المالية.

اذا جربتم السياسيين والمفسدين والمتملقين أليس من حق المثقفين ان يجربو ويشركوا في مسيرة بناء الوطن.

 

 

23. نوفمبر 2020 - 14:29

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا