عطفا على تصدر الذهب للصادرات الموريتانية 2020 أتمنى من الجهات الحكومية ،التريث في منح رخص استغلال الذهب للشركات المتعددة الجنسيات في ظل الشكوك التي تتزايد يوما بعد يوم حول متانة النظام النقدي العالمي الحالي الذي يرتكز في الأساس على طبع واقتراض النقود دون غطاء (ضمان من الذهب) . قبل أن تظهر العملات المشفرة (الرقمية) التي لم تحظى هي الأخرى و إلى الآن بالثقة المطلوبة التي تخولها إعادة روح الطمأنينة في ذالك النظام النقدي الهش ،على الرغم من استقلالها عن البنوك المركزية التقليدية بالإضافة إلى ما حققته ولاتزال من ارتفاعات قياسية على حساب العملات الورقية الرئيسية (الدولار) و الذهب حيث أصبحت تلك العملات أداة للتحوط من التضخم (تآكل العملة) وهي ميزة كانت وإلى وقت قريب ينفرد بها المعدن الأصفر (الذهب )!!!
في ظل حالة عدم اليقين السائدة حول مستقبل العملات سواءا كانت ورقية ،معدنية أو مشفرة يعود الحديث عن الذهب كمعدن ذو قيمة ثابتة يمكن التعويل عليه كما كان سابقا ،في بناء نظام نقدي أكثر صلابة على الرغم من الانتقادات التي توجه له في هذ السياق كضعف الاحتياطيات المتبقية القابلة للاستخراج والمقدرة حسب بعض التقارير ب 54 ألف طن ، في حين حددت تقارير أخرى النسبة المتبقية من احتياطيات الذهب التي لم يتم استخراجها بعد ب %10 و هي كميات تبقى في المجمل أقل من أن تغطي الحاجة إلى الطبع و الاقتراض لتمويل العملية الاقتصادية .وهو ما ياستبعد فرضية العودة إلى نظام الذهب ؛ إلا أن ذالك يمكن اعتباره عامل دعم وليس ضغط على الأسعار مستقبلا؟؟؟ لأن القاعدة تقول : تراجع المعروض يؤدي تلقائيا لصعود الأسعار ماقد يساعد في حدوث موجة تصحيح كبيرة (ارتفاع) متوقعة في الأسعار تذهب بسعر الأونصة (31غرام) إلى مستويات عشرات الآلاف من الدولار كما يتوقع بعض الخبراء بدلا من المستويات الحالية التي تبقى بعيدة من أن تكون عادلة بسبب ظهور العملات الرقمية كقناة استثمارية بديلة عن الذهب رغم ارتفاع مخطارها ، بالإضافة إلى الحديث عن تلاعب محتمل للبنوك المركزية الكبرى التقليدية في أسعار الذهب من خلال الخفض ؛ حتى لاتخسر عملاتها من قيمتها الوهمية بعدما بات ارتفاع الذهب مرتبط بالركود و الكساد وما يعني ذالك من تراجع في قيمة العملات الورقية التي تعتبر مرآة الاقتصاد ؛ لتجد الصين ممثلة بالبنك الشعبي الصيني (البنك المركزي) الفرصة المواتية في الأسعار المنخفضة (المغرية) لزيادة وتيرة شرائها التي تجاوزت في بعض الأحيان حجم الإنتاج العالمي!!! في إطار محاولتها للرفع من احتيطياتها لتوازي أو تتجاوز ماتملتكه أمريكا و المقدر بأكثر من 8 آلاف طن ، وهو مايثير أيضا الشكوك حول ضلوع الصين في مسألة التلاعب بالأسعار كما يشار إلى البنوك المركزية الأخرى.
انطلاقا من : قرب نفاذ مخزون العالم من الذهب ، حالة عدم اليقين المسيطرة حول مستقبل النظام النقدي الحالي بشقيه الورقي و المشفر ، تتابع الأزمات الاقتصادية الدورية كماهو الحال اليوم مع جائحة كورونا و النمو المضطرد للطلب الحقيقي على الذهب المرتبط أساسا بالجانب الصناعي ، تبقى الدول التي تنتج وتصدر الذهب كموريتانيا مثلا مدعوة أكثر من ذي قبل لعقلنة تسيير احتياطياتها من هذه السلعة النادرة ،لا لكونها فقط ثروة غير متجددة كماهو الحال مع خامات الحديد ، النفط ، النحاس....بل لأنها سلعة كانت و ستبقى ذات قيمة ثابتة في مختلف الدورات الاقتصادية (الانكماش أو التضخم)، كما يعتبر الذهب الأقل تراجعا حين يرتفع بالمقارنة مع أي أصل استثماري آخر كما يبين تحليل السوق.
كانت احتياطيات موريتانيا من الذهب تقدر ب 25 مليون أونصة قبل أن تتم مراجعة الأرقام بعد إعادة تقييم الاحتياطي لتصبح في حدود 35 مليون أونصة قابلة للزيادة ،مايعني أن قيمة ثروة موريتانيا من الذهب بسعر اليوم وهو 1812 دولار للأونصة هي في حدود 63 مليار دولار ولكم أن تتصورا حجم تلك الثروة بعد بلوغ الأسعار لحاجز 4000 دولار للأونصة في المستوى القريب و المتوسط كما يتوقع بعض بيوت الخبرة ، أو مستوى السعر العادل المحدد بعشرات الآلاف من الدولار للأونصة مثلما يتحدث بعض خبراء التعدين و محللو أسواق السلع العالمية؟؟؟
خلاصة القول أن موريتانيا اليوم مطالبة للعمل بالمثل الشعبي القائل《 مايموت لعجل ولاتيبس التاديت》: من خلال الجمع بين الاقتصاد في استغلال هذه الثروة الاستراتجية القابلة للتضخم عن طريق إدخار الاحتياطي (احتكار المخزون) بفتح مناجم محدودة العدد والإنتاج و بشروط صارمة تتماشى و قيمة الذهب و ضرورة تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد ، توفير الوظائف ، خلق موارد لتمويل الميزانية و اكتساب الخبرات و المهارات الفنية الازمة لمباشرة الاستغلال بآيادي موريتانية مستقبلا ،حين تكون الأسعار تتماشى و القيمة الحقيقية لهذه السلعة التي لم تفقد بريقها منذ أكثر من 6 آلاف سنة.