إن ذكرى الاستقلال الوطنى تحمل في نفوسنا الكثير من المعاني الجميلة والذكريات الطيبة لوطن شكل على الدوام مظلة آمنة احتضنت الجميع ووفرت له أسباب الطمأنينة والعزة والكرامة .
نحتفل اليوم بستين سنة من البذل والعطاء في سبيل بناء دولة مستقلة تتوفر فيها أسباب العيش الكريم في حضن تنمية متكاملة الدعائم اقتصاديا وسياسيا وقضائيا .
كانت البداية عبارة عن معركة التأسيس. تأسيس كيان دولة تبدأ من الصفر فى محيط صعب لم يكن سهل المرام سياسيا وجغرافيا وحتى فى ظرفه الزمنى.
الجمهورية الإسلامية الموريتانية ستولد وتتهادى عليها المشاكل وهي تخطو خطواتها الأولى على أرض لما يتم تدعيمها بعد.
الظاهر من قراءة سريعة لمراحل التأسيس أن ثمة مسارات كان لها الأثر البارز فى قيام الدولة.
مسار إثبات الهوية الوطنية بأبعادها الدينية والثقافية ومسار الوحدة الوطنية بمفهومها الشامل الذى يفتح الباب أمام كل أبناء الوطن من جميع مكوناته للانخراط الإيجابي والديناميكى في عملية البناء ثم مسار توفير مناخ مواتي لنهضة تنموية مستدامة.
عمل الرعيل الأول وهو مسكون بهاجس البناء الوطني ضمن بوتقة تنصهر فيها جهود الجميع. دونما جدل حقق هؤلاء ما حققوا من انجازات مهمة بالنسبة لمرحلة التأسيس .
قطعت البلاد بعد ذلك وتحديدا ما بعد العاشر من يوليو 1978 مراحل متفاوتة التميز حيث عرفت أحكاما عسكرية ومدنية لم تشهد خلالها استقرارا سياسيا يمكن معه مواصلة المشوار اعتمادا على انجازات التأسيس.
اتسم الوضع إذا بتجاذبات شديدة الاضطراب وصلت فى مراحل معينة لمرحلة تهديد كيان الدولة و كانت قاب قوسين أو أدنى من نسف الوحدة الوطنية.
بات الوضع غير المستقر على هذه الحال إلى حين العشرية الأخيرة و التى شهدت استقرارا نسبيا كادت المطالبة المأمورية الثالثة ان تطلق عليه رصاصة الرحمة.
ولئن كان الساسة فى تلك المراحل لم يوفقوا في أحايين لم يكن رجال الأعمال والمثقفين بأفضل من ذلك حيث لم يتمكنوا من لعب الدور المنوط بهم على الوجه الذى يتطلبه السياق.
في أواسط الألفين وتسعة عشرة دخلت موريتانيا مرحلة تحول جديد بانتخاب رئيس جديد الذى كان برا بالآباء حيث تمكن من جمع كل الطيف السياسي على كلمة سواء هي أن موريتانيا للجميع وعلي الجميع المشاركة فى تنميتها ولا مجال التجاذبات العقيمة وبث الشحناء والبغضاء بين الفرقاء السياسيين ولا مجال للفئوية والطائفية.
بلدنا ملك لنا جميعا ويسعنا جميعا. على هذا الدرب سارت البلاد.
وقد نجم عن ذلك استقرار سياسي وفر مناخا ملائما لتحقيق تنمية مستدامة وفقا لمشروع تنموى شامل وطموح رسم معالمه رئيس الجمهورية. وتفرغ الفريق الحكومى الذى تم اختياره للمشروع بشكل جدي فى سعي دؤوب من أجل تنفيذ هذا البرنامج .برنامج "تعهداتى" الذى كان عبارة عن رؤية استراتيجية للنهوض بواقع البلد الاقتصادى والسياسي والاجتماعي والصحي.
وقد شمل هذا البرنامج الذى أخذ في الاعتبار طموحات الشعب مكونات تتكامل وتحيط بالإشكاليات التى يعانى منها البلد وتعيق تقدمه.
وبدأت البلاد تخطو خطواتها الأولى علي طريق التصالح مع الذات والدخول فى مرحلة الجد والعمل.
إنها مرحلة إعادة التأسيس التى تفتح آفاقا رحبة قادرة على تحقيق الرفاه المرجو وتضمن مستقبلا أكثر رخاءا لأجيال المستقبل.
ان الأسلوب الجديد في الحكامة يعتمد على قيم الإنصاف والعدل والمساواة بحيث أصبحت القيادة الجديدة تنظر إلى موريتانيا التى تعيد الإعتبار لأبنائها وتنأى عن اعتماد الإقصاء والتحريض على الشرائحية وتعمل من أجل أن يتساوى الجميع في الفرص.
وأصبحت الدولة في ظل هذه النظرة الجديدة توفر حاضنة قوية تعتنى بالفقراء والمهمشين و تسعي جاهدة لتحقيق آمال وطموحات مواطنيها.
لقد قال رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزوانى بشكل صريح وقطعي "لن أترك أحدا على قارعة الطريق"
فكان ذلك منهجا واضحا يعبر عن نظرة جديدة تعيد الإعتبار إلي الدولة وتجعل من المواطن ورفاهه غاية من آكد الأمور .