القوات المسلحة الموريتانية وستون عاما من الانتصار/ المختار محمد يحيى

لا يختلف اثنان على دور طلائع قواتنا المسلحة الوطنية في التأكيد على مفهوم الوطنية والتأسيس للدولة المركزية منذ إرهاصات الاستقلال الوطني ونبذ الاحتلال الفرنسي عام 1960، فلقد اعتبر المواطن التنظيم الشكلي والانضباط المؤسسي الذي تتحلى به القوات المسلحة مظهرا لتشكل نظام وطني يقوم بالأساس على فكرة تشكل الوطن وبتمظهراته المؤسسة على وحدة الأرض ووحدة الشعب ذو التاريخ والحاضر والمستقبل المشترك له.
ورغم المراحل المختلفة التي مرت بها بلادنا في سبيل توطيد أركان الدولة المركزية فقد ظلت القوات المسلحة بمختلف مؤسساتها في مقدمة الشاعرين بالمسؤولية والخوف على مستقبل المشروع الوطني، والعمل على استمرار الدولة، في وجه الأطماع الخارجية والمؤثرات الداخلية ذات المنحى القبلي والجهوي، فكانت القوات المسلحة المثال الأبرز للتمسك بالوطنية وتوحيد الخطاب ونبذ الفرقة، والواقفة في وجه أعداء الوطن مضحية بالغالي والنفيس، وقدمت في سبيل ذلك التضحيات الجسام.
إن الجيش وقوات الأمن جميعها ليحق لها الاحتفال بالذكرى السنوية لعيدها وهي مناسبة لتذكر شهداء الأعمال البطولية التي سطرها منتسبو هذه المؤسسة من ضباط سامين وضباط صف وجنود أشاوس، لقد برهنوا في كل اختبار على الجاهزية لفدى الوطن بدمائهم الزاكية، متقدمين على الجبهات بجباههم الشجاعة وصدورهم المقدامة، مؤكدين لكل عدو للوطن أنهم له بالمرصاد، فحققوا الانتصارات التي ما تزال تترى إلى يومنا هذا في التصدي لمختلف التحديات التي تواجه وطننا في سياق محيطه واقليمه وشبه المنطقة.
ولعل تجربة قواتنا المسلحة مهدت الطريق أمام الأصدقاء والحلفاء للاستفادة منها بعد الانتصارات والنجاحات التي حققتها المؤسسة في إيقاف عصابات التهريب وجماعات الإرهاب والاتجار بالبشر عبر الصحراء التي تعتبر بلادنا مطلة عليها وتتأثر بما يجري فيها من عدم استقرار، ومن أبرز مشروعات الاستفادة من الخبرات الموريتانية عضوية دول جوار في مجموعة دول الساحل التي اقترحتها بلادنا لدحر الإرهاب والتأسيس للتنمية في الساحل.
تلك المجموعة التي حظيت بمباركة عالمية مكنت من دعم دولي لمجهودات بلادنا ودورها الإقليمي في التأسيس للاستقرار والنماء جنبا إلى جنب مع أصدقائها بالمنطقة، وهو ما احتاج لتأسيس كلية أركان الجيش ومقرها في نواكشوط والتي حملت على عاتقها تكوين وتدريس ضباط وأركان قوات دول مجموعة الساحل لتنسيق عمل مشترك وفعال لإيقاف الجريمة المنظمة والتطرف العنيف وفق المعادلة الموريتانية التي أتت أكلها بفاعلية في ذات المنطقة وبثت الأمن والاستقرار داخل الأراضي الوطنية ممهدة للتفرغ لبناء تنمية وازدهار على مختلف الأصعدة.
إن القيادة العامة لأركان الجيوش وانسجاما مع الرؤية الإستراتيجية والأمنية التي رسمتها القيادة الوطنية ووزارة الدفاع ليبدو جليا أنها تعي حجم التحديات والالتزامات التي تحملها على عاتقها، إذ عملت بشكل منقطع النظير لتحسين وتطوير القوات المسلحة، ومدها بالتقنيات الحديثة والإمداد الاستراتيجي ليمكن مختلف أركان الجيوش والقوات المسلحة من الاضطلاع بدورها على أكمل وجه.
إن الجيش الوطني والدرك الوطني ليمثلان صمامي أمان لبلادنا إذ يحظيان بالصلابة والجاهزية والحيوية المطلوبة لرفع اللواء والتصدي السريع لكل التحديات الأمنية، ولقد أثبت كل من الجيش والدرك الوطنيين أنهما عماد قواتنا المسلحة المؤثر في المعركة التي تقودها بلادنا لتوطيد التنمية وبناء أفق مستقبلي لأبناء الوطن من خلال تجذير الأمن داخل التراب الوطني، بموازاة الإضرابات التي يشهدها محيطنا بين الفينة والأخرى. 
ولعلني أخص مؤسسة الدرك الوطني تلك التي تتقدم صفوف المواجهة دوما استنادا لتراتبية أرض المعركة تقليديا، ولأنها ذات الاحتكاك الأبرز مع القوى العنيفة في المواجهات، ومع البنى المدنية أيضا لما يمليه عملها من تكامل مع السلطات الإدارية في الداخل، فإنها كانت مدرسة للوطنية سواء بعملها العسكري الحاسم حين التدخل في الأزمات الإقليمية أو تلك التي يتطلبها التنسيق القاري أو الأممي، أو خلال عملها بالشراكة مع وزارة الداخلية لتجسيد مفهوم الدولة على أرض الواقع.
إن الدرك الوطني يحتفل اليوم إلى جانب رفاقه بالقوات المسلحة بعيدها الوطني بعد خوض تجربة طويلة في بناء دولة القانون، والوقوف إلى جانب الدولة ومصلحتها العليا، كذلك من خلال جاهزيته بمختلف تشكيلاته من قواته الخاصة ذات التكوين العالي والفاعلية الكبيرة في الميادين، أو من خلال فرقه المتخصصة قضائيا وأمنيا لما لعبته من دور كبير في تطبيق العدالة وتنفيذ قرارات الدولة ومنع الإخلال بالقوانين، بالإضافة إلى المساهمة الفعالة في تكوين أطر ووكلاء الدولة في مدرسة الدرك على الانضباط والسلوك الوطني من خلال مدرسة الجندي والتكوين الأكاديمي حسب المناهج التعليمية التي أثبتت فاعليتها في تخريج موظفين إداريين أكفاء محملين بروح المسؤولية والوطنية، ذوو جاهزية للعمل خدمة للوطن وللمواطن.
إن مدرسة الدرك الوطني بروصو لتساهم هذا العام في الرفع من مردودية خريجي المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء من خلال إخضاعهم لتكوين هام جدا ينطبع لا محالة على سلوك ونوعية خريجي هذه المدرسة، حيث أنه ولأول مرة في تاريخ المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء سوف يشارك طلابها المكونين في مدرسة الدرك بروصو في فعاليات تخليد الذكرى الستين وذلك بتشكيلات متنوعة تثبت امتلاكهم قدرات عسكرية وكما من الانضباط والمسؤولية مكنتهم من الفوز بإشارة خضراء للمشاركة في هذه الذكرى المجيدة والتي توليها قيادة أركان الدرك بإشراف الفريق السلطان ولد أسواد، الأهمية القصوى من حيث التحضير والتجهيز، وهو ما يؤكد أيضا على نوعية التأطير المتقدم والفعال الذي حظي به الطلاب الإداريون في مدرسة الدرك، إذ أن قيادة المدرسة ممثلة في العقيد محمدو ولد أيده، وإدارة التكوين ومختلف الضباط السامين وضباط الصف ساهموا بجلاء في تحقيق النجاح المبهر في تكوين هذه الدفعة المتميزة من الإداريين

 

عاشت موريتانيا حرة أبية وآمنة وحفظ الله الوطن وأدام الله التألق العسكري والشعور الوطني الذي تحظى به قواتنا المسلحة، كل عام وقواتنا المسلحة وقوات أمننا في رفعة وانتصار، وكل المباركة بمناسبة الذكرى الستين لاستقلالنا الوطني.

 

28. نوفمبر 2020 - 23:33

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا