حكى لي أحد الزملاء قصة عن حادثة حصلت في بلد عربي ذات زمان.
تحكي هذه القصة أنه ذات زمان كانت نخبة بلد عربي تلملم إجراءات التميز والاستقلال عن مستعمره من أجل بناء دولة وطنية ذات سيادة وقوة.
وكانت قادة وسلطات ذاك البلد تعي أن الدولة تعني : إقليما تسكنه مجموعة من السكان تعايشوا معاً تاريخياً وتقاسموا مشتركات ثقافية وجغرافية واجتماعية، وقرروا الخضوع لسلطة تمثلهم وتستمد منهم شرعية تُمَارس عبر مؤسسات حكومية تحقق مصالحهم وتبني القوة لحماية دولتهم، وإنفاذ القانون و الدفاع عن وحد بلادهم وحوزتها الترابية.
وكانت قيادة ذاك البلد وسلطاته تثق بأن سيادة الدولة على أرضها وثرواتها والحفاظ على أمنها الداخلي والخارجي شرط في تحقيق أهداف تنمية وبناء مشروع مجتمعهم ودولتهم.
وكانت أشد ثقة في أن رسوخ حب الإنتماء و الصدق في الولاء للوطن وقوة الإيمان بالدولة كناظم جامع هما مصدر شرعية السلطة وأساس الاعتراف بنظام إنتاجها، أياً كانت طبيعة ذالك النظام... فالترابط هنا مطلق وهو الذي يصنع الولاء والانتماء.
كما كانت على دراية تامة بأن السلطة إذا ما نُخرت بداء الفساد وكانت هبَّاشة للمال العام أصبحت سلطة معيقة للتقدم ومغتربة اغتراباً بينا عن المجتمع، وحنها سيبدأ غياب الشعور بالانتماء لدى المترددين، وستختلط دعوات الوطنين والمصلحين بأصوات الإنتهازيين والغوغائيين.
ثم إن سلطة ذالك البلد ونخبته لم يساورهم يوماً شكٌ في أن حسن تسيير الموارد البشرية والطبيعية هو تجسيد لروح الدولة، وترسانة قوتها الدفاعية والهجومية. فالدولة القوية هي الدولة التي يكون اقتصادها قادراً على تحقيق التوازن في مستوى الحياة الكريمة وتوفير الأمن والغذاء والدواء وصولاً إلى سبل الرفاهية والإزدهار.
وأن السلطة التي تعبر عن إرادة الشعب وتستمد شرعيتها من التفكير في هم المواطن وقضيا المجتمع، ستفكر حتما في التعويض التقني والعلمي عن ضعف أو نقص الثورة الطبيعية، أو التأهيل المهني والمعرفي للكفاءات البشرية لاستخراج الثروات الطبيعية (الموجودة) والانتاج، وتوظيف رأس المال لتحقيق الرخاء والاعمار .
فشيوع نهب وفساد وتبديد الدخل القومي على المؤسسة والأفراد هو العامل الأساسي في ضعف الدولة والمؤشر على زوال سلطانها.
أما أحداث القصة:
فتبدأ حين تفصح "طلائع " إحدى مكونات شعب تلك الدولة عن رغبتها في الإيثار ببعض مكاسب الدولة ،ورفض بعض الخيارات العامة المتعلقة بالهوية الثقافية والتاريخية في المشروع المجتمعي الذي أجمعت عليه وأعلنت السلطة.
وقد جرت فصول القصة كاملة وخلال دقائق في أحد مدرجات الجامعة.
المشهد الأول:
أطر وأعيان المكونة الاجتماعية مشتمعوون في مدرج بالجامعة بدعوة رسمية من طرف السلطة.
المشهد الثاني:
وزير الدفاع في حكومة البلد على رأس وفد من ضابطين يدخل المدرج ويبدأ الحديث بعد تحية الحضور بسؤال واحد: ما هي مطالبكم؟
المشهد الثالث:
خطيب القوم ينبري واقفاً للرد على سؤال معالي الوزير وطرح مطالب المكونة المتمثلة في:
1- نحن أهل الأرض الأصليون وغيرنا وافد(....) .
2- لا نقبل المشاركة في (......).
3- نرفض القاسم كذا وغير معنيين به.
4- نريد أن يستجاب لهذه المطالب وتضمن في الدستور كحقوق لمكونتنا يقر لنا بها الآخرون، والسلام.
المشهد الرابع:
الوزير - بهدوء وابتسامة عريضة- يطلب من المتحدث التقدم نحو الوفد ... ويتقدم البطل تدعمه نظرات وهمسات اعجاب ورضى أطر وأعيان قومه إلى حيث يشير الوزير.
المشهد الخامس:
معالي الوزير وبهدوء - أيضاً- يشير إلى أحد مرافقيه أن ضع رأس البطل على الطاولة بحنبك، ثم يشير إلى المرافق الآخر أن خذ نفساً واسحب مسدس الدولة من على خاصرتك وامنح أخانا هذا البطل حقه من وسائل الدولة برصاصة بين ناصيتيه فالعدالة إعطاء كل ذي حق حقه حتى يشيع العدل والسكينة وتتعزز هيبة الدولة .
المشهد الأخير:
تخرج الرصاصة من مؤخرة رأس البطل فيخترق صوتها الناعم الصمت المطبق في المدرج الذي بدا وكأنه مهجور حتى من حسيس أنفاس القوم.....والوزير يمسح زخات من الدم عن ذراعه ... ويوزع نظرات في وجوه الأطر والأعيان مطأطئين رؤوسهم من غير تعليق أو تعقيب...
في سبيل وحدة الشعب أل..... ، وبقاء وطننا .......، تهون فقط هذه الدماء، يختم معالي الوزير.