من الحقائق المسلمة لدى كل الأمم المتحضرة أهمية استذكار تضحيات أبطال المقاومة وجهودهم في الدفاع عن حوزة الوطن، وتكريمهم والترحم على أرواحهم؛ ففي ذلك إعزاز للأمة والوطن، وتربية للأجيال الناشئة على استلهام تجاربهم، والتأسي بهم في الخير وأخذ العبرة منهم. والتاريخ كما يقال: مرآة المستقبل، وكل أمة لا تحترم رموزها وتعزرهم فهي أمة فاشلة، لا يرجى لها نهوض ولا صلاح...
وبالطبع فذكرى الاستقلال الوطني هي أكثر الذكريات مناسبة لاستذكار تلك التضحيات.
ولا يفوتني هنا أن أثمن اهتمام رئيس الجمهورية السيد محمد ابن الشيخ الغزواني بتضحيات أولئك الأبطال وحرصه على تكريمهم وإعادة الاعتبار لهم، وهو بالمناسبة حفيد الشيخ المقاوم الغزواني، وابن أخي شهيد النيملان محمد المختار بن الشيخ محمد محمود الخلف. غير أن لدي بعض الملاحظات التي أرغب في تسجيلها في هذا الصدد، إبراء للذمة وإحقاقا للحق وبذلا للنصيحة لمن هو أهل لها...
لقد كان من الضروري إنشاء لجنة وطنية ذات مهمة مؤقتة، تضم شخصيات مرجعية وفكرية، للإشراف على هذا الجانب وغيره من الأنشطة الثقافية والفكرية المصاحبة للاستقلال. ومن الضروري كذلك اعتماد معايير موضوعية ومنطلقات صارمة في تكريم المقاومين، وهو ما لم يحصل للأسف... حيث لم تعتبر الأقدمية ولو اعتبرت لكان الشيخ سيدي صاحب مؤتمر تندوجة المشهور 1856م في طليعة المكرَّمين. ولم يعتبر الدور القيادي والمرجعية الروحية والفكرية ولو اعتبر ذلك لكان في طليعة المكرمين الشيخ ماء العينين منسق المقاومة وسفيرها لدى المغرب، ومريده محمد الامام بن الزين بن أحمد جده العلوي، والشيخ محمد الخضر ابن ما يابى، والأمير أحمد بن الديد (قائد معركة الگويشيش التي كرم أحد شهدائها وهو أهل لذلك وغيب آخرون منهم أحمدُ بن أحمد بن بوها التندغي )، والأمير أحمدُّ الثاني بن سيد اعلي الثاني ، واصنيب بن بو بكر شيخ أولاد أحمد، وسيد المختار بن محمد محمود وابن عمه بناهي بن سيدي وابن هذا الأخير سيدي...
ولم يكن للشهادة في سبيل الله وبذل المهج الغالية، والهجرة عن الأوطان اعتبارها الخاص، ولو حصل ذلك لكان في الطليعة المختار أم بن الحيدب أول شهداء المقاومة الشهيدان حد بونا بن جد بن عبد الرحمن اخليفة ومحمد الاغظف ولد الشيخ ولد الجودة، والقائد البطل وجاهة ولدالشيخ محمد تقي الله، وسيدي بن الغوث، وابنه محمد محمود، والأمير المهاجر المختار بن أحمد ومحمد الأمين بن زيني القلقمي، وسيدي بن قطرب الديماني الذي توفي منفيا بتنبكت، ومحمد محمود ابن احجور في طليعة المكرمين...
أثمن تكريم الأمير الشهيد بكار بن اسويد أحمد رغم ملاحظة بعض المراقبن حذف لقب الأمير عند تقديمه، وهو لقب يستغني عنه بشهرته، وأرجو أن ياتي الدور على ابنه وخليفته عثمان الذي واصل المقاومة الى سنة 1910م وأخوه أحمد محمود.
وأثمن تكريم سيد أحمد ابن أحمد عيده، وارجو أن يأتي الدور على رفاقه (حمدي بن الاگرع، ومحمد ابن اخطور، وخريدة بن عال بابْ) وأثمن كذلك تكريم الشريف الحسني الشهيد المخلص لربه ووطنه سيدي بن مولاي الزين قائد عملية اغتيال كبولاني الذي رد للمقاومة اعتبارها بعد استشهاد الأمير بكار، وأرجو أن يأتي الدور على رفاقه الأبرار أبطال إديشلي فهم أهل للتكريم.
وأثمن كذلك تكريم الشاعر الناقد المبدع سيدنا بن الشيخ سيديا وأرجو أن يأتي الدور على والده الشيخ سيديا صاحب مؤتمر تندوجة.
أكره المحاصصة الجهوية والعرقية وكل ما يمت لها بصلة، لكن أعتقد أن من المناسب وضع معايير للتكريم تراعي التوازنات، وتطبق كل سنة على عدد من الرموز كنماذج وأمثلة، ليجد الجميع حقه ويتسنى للاجيال معرفة أكبر عدد ممكن من أولئك الأبطال والترحم عليهم واستلهام مناقبهم...
ولا مانع من أن تكون هناك رموز ثابتة لمكانتها في المقاومة تكرم في كل عام أو عامين، لكن وفق معايير متفق عليها مسبقا...
إن تاريخ المقاومة تاريخ وطني مجيد كتب بدماء الأبطال، وتضحياتهم الجسيمة، وشاركت فيه مختلف فئات وأعراق وجهات المجتمع، وهو مناسبة لتأكيد الوحدة الوطنية والإسلامية، واكتشاف مظاهرها قديما وحديثا.
ونحن بحاجة لتناول تاريخ المقاومة بحياد وقراءتها بروح وطنية بعيدا عن الانتقائية والتطفيف والأهواء القبلية والجهوية المقيتة...
هناك معارك عظيمة وانتصارات جليلة لا أحد يذكرها منها مثلا:
- معركة المجرية 26 فبراير 1908م بقيادة أحمد بن الشيخ الجكني مريد الشيخ ماء العينين
-معركة لتفتار بقيادة سيد أحمد بن عبد العزيز بن حامني الغلاوي 15 اكتوبر 1908م وقد استشهد فيها قائدها إضافة الى الشيخ بن عبد الله بن محم بن عاشور العلوي، وثلاثة من اهل احجور
- معركة التاگلالت 1904م شارك فيها اعلي بن المراكشي ومحمد إبراهيم بن غدة وقوم من الرحاحلة
- ميت 1904 سقط فيعا19 شهيدا من ادوعيش، منهم محمود بن اعميره ومحمد محمود بن عمار بن ثالول الزبيري
- دركل 26 فبراير 1905 بقيادة أحمد محمود بن بكار، من شهداىها سيدي عبد الله بن سيد الامين، ومحمد بن المختار بن عثمان بن اعل بابي، وعاشور ابن اعلادة، وعثمان واخوه امحمد ابنا حفظه بن أحمد ديه، وسيد أحمد بن ابراهيم، وعمارْ بن الشيخ ولد ابراهيم، وابراهيم ولد عمار، والمامي ولد اعمر، واحمد بن ابراهيم أربعتهم من أولاد طلحة...إلى غيرها من المعارك المهمة والمغيبة... ومثالا على تغييب رموز المقاومة أذكر بالأمير المختار بن أحمد شيخ اشراتيت الذي شارك مع أبناء عمومته من إدوعيش في 10 معارك هي (ألاگ وشگار دعما للبراكنة ، ومعارك مال وميت وانبود وگمل في آفطوط ودرگل وانتاكش واتويزرزيت، وتنشيبة، والنيملان وحصار تجگجة في تگانت، وبو گادوم في الرگيبة وهي معارك امتدت من سنة 1904م الى نهاية 1906) وتوفي مهاجرا...
لقد شاركت جميع أطياف المجتمع وجهاته في مشروع المقاومة الوطنية المسلحة كما أسلفنا، سواء في ذلك الامارات والقبائل المسلحة المتخصصة في الحرب، وتلك الزاوية وأذكر هنا نماذج من القبائل الزاوية التي قدمت تضحيات جسام وعلى رأسها قبيلة الاقلال التي رمت ساحات المقاومة بفلذات أكابدها، فارتقى منها أكثر من 40 شهيدا في ساحة الشرف بالنيملان، وبذلت جهودا جبارة وأظهرت شجاعة ورباطة جأش في معارك البيظ بقيادة سيدي ولد الغوث وفي غيرها، ومنهم كذلك أبناء الشيخ ماء العينين الكرام وتلامذته ومريدوه العارفون من شتى القبائل، ومجموعة أهل أعمر أگد أبيجة التندغية، واهل الشيخ القاضي من اديجبه، وأهل أي من تجكانت، وأهل أحمد بن الهادي من تمدك، وغير هولاء كثير...قاوم أمراء الترارزة وقبائلها وكذلك إدوعيش والبراكنة -وخاصة أولاد نغماش- وإمارة آدرار بشتى مكوناتها،( اولاد غيلان وأولاد عمني وأولاد آگشار وإديشلي) وكذلك إمارة مشظوف التي شاركت قي معركة النيملان بنحو 150 مسلحا وهذه معلومة مغيبة... وكذلك أولاد اللب وأولاد دليم، الذين ظلوا يقارعون المستعمر إلى سنة 1934م ولا يفوتني هنا أن أذكر بتضحيات إخوتنا في الضفة وعلى رأسهم كان عبدول بكر المتوفي سنة 1891م وهو حليف استراتيجي للأمير بكار، قارع الفرنسيين عدة سنوات بالتعاون مع أولاد عبد الله وأهل اسويد والتوابير، ومنع الفرنسيين من ربط كيهيدي بسينغال عبر التلگراف. وبالطبع فلا أحد يجهل جهود
أقطاب المقاومة الثقافية من أمثال أبناء ما يابى وسيد المختار بن أحمد الهادي والشيخ محمد المختار بن انبال ومحمد عبد الجليل ابن الشيخ القاضي، والشيخ سيدي محمد ابن حامني وسيدي محمد ابن حبت والمصطفى بن حبيب الله بن القاضي وتلامذة الشيخ ماء العينين وأبنائه الكرام.
وكان للنساء دورهن كذلك في مداواة الجرحى، وسقي المجاهدين، واستشهد بعضهن يوم النيملان مثل النگرة بنت الحجوري بن محمد بن بكار الإدوعيشية...
نحن بحاجة لتكريم هؤلاء الأبطال وغيرهم، وتدريس تاريخهم في المدارس، وإعداد بحوث ومحاضرات عنهم...
إن لدي بحمد الله عشرات الوثائق والتسجيلات المحلية والتقارير والكتب النادرة التي كتبها الفرنسيون، وتحدثوا فيها عن حقائق المقاومة وأحداثها، ودونوا فيها شهادتهم والحق ما شهدت به الأعداء... ولو نشرت تلك الوثائق لظهر أن هناك مغيبين ظلموا من طرف الكتاب والمتحدثين اليوم، وأن هناك آخرين تشبعوا بما ليس لهم وكستهم الدعاية الإعلامية ثوبي زور...